أصاب بالغثيان وأنا استمع إلى المسئولين الأميركيين وعلى رأسهم بوش وهم يتحدثون عن الإرهاب ويصنفون الناس بحسب أهوائهم ومصالحهم، فهم يريدون من الناس أن يكونوا عبيداً لهم وإلا فهم إرهابيون. ومثل الأميركيين يتصرف الصهاينة الذين لا يختلفون مطلقاً عن الأميركان، فهم والأميركان وجه واحد لعملة واحدة وهو وجه مشوه مسخ بكل المقاييس الإنسانية...
لا أظن أن أحداً يجهل أن أميركا قامت على الإرهاب والقتل عندما قتلت الملايين من الهنود الحمر أهل البلاد الأصليين، ولا أظن أن أحداً يجهل أن أميركا أول من استعملت السلاح المحرم دولياً عندما استخدمت القنابل الذرية في اليابان فأحرقت البشر والحجر، وتاريخها الأسود في الإرهاب لم يتوقف لحظة حتى الآن ومن تابع أفعالها في العراق عند احتلاله حتى الآن يعرف حجم الإرهاب البشع الذي تمارسه على المواطنين من قتل واغتصاب وهدم للمنازل ودور العبارة، ومن ينسى جرائمها في «أبوغريب» وغوانتنامو وهي جرائم استنكرها العالم كله، وحدها - أميركا - مازالت تصر على نزاهة أفعالها وبصورة مقززة وكان العالم من حولها يسعى شيئاً...
«إسرائيل» وهي نبتة خبيثة غذتها أميركا لتحقق لها مصالحها في بلادنا العربية، مارست الدور نفسه في الإرهاب ومنذ نشأتها حتى الآن، ومازال العالم يتذكر مذابح «ديرياسين» سنة 1948، وكان ضحايا هذه المجزرة نائمين وتم قتل أكثر من 250 طفلاً وامرأة وبعد أن تمت هذه المجزرة أعلن فاعلها «ينشورين شيف» سعادته الكبيرة بما فعل وقال: «كان ذلك النهار يوم ربيع جميلاً ورائعاً» ثم ارتكب الصهاينة مذبحة كفر قاسم وبعدها - في عصرنا - مذبحة قانا وصيدا وشايتلا واليوم نراهم يمارسون هواياتهم الإرهابية في مذبحة «مروحين» ومذابح غزة وكذلك سائر لبنان.
الصهاينة ومثلهم الأميركان يتحدثون عن إرهاب حزب الله و«حماس» ويطالبون العالم كله بوقوف ضد هذين الحزبين وبكل الوسائل باعتبارهما يمثلان قمة الإرهاب في العالم العربي وتناسى هؤلاء سجلهم الإجرامي الحافل في العالم الغربي وسواه...
ما يجري في لبنان حالياً - ومثل فلسطين - إرهاب بكل معنى الكلمة، بل انه يفوق هذه الكلمة بشاعة، وأميركا تمارس هذا الدور بحثاً عن تحقيق مصالحها في المنطقة بحسب رؤية الأصوليين الجدد - الصهاينة - التي تتطابق مع الرؤية الصهيونية في نهاية المطاف...
الأميركان يتحدثون عن معارضتهم قتل المدنيين في لبنان وكأنهم لا يرون مئات الأبرياء يقتلون في لبنان في الشوارع وفي البيوت، وكأنهم لا يعرفون أن الصهاينة يستهدفون سيارات الإسعاف وأماكن الايواء وكل من يتحرك في المناطق المستهدفة في بيروت وسواها... ويتحدثون عن معارضتهم استهداف البنى التحتية وكأنهم لا يرون أن كل مقدمات هذه البنية تهدم تحت سمعهم وبصرهم وهم مازالوا يرددون بأنهم يعارضون هدم البنية التحتية ولست أدري كيف يعارضون وبأية طريقة؟
هؤلاء - الإرهابيون - يريدون إعطاء الصهاينة وقتاً أطول لممارسة هوايتهم الإجرامية في لبنان، فهم يقولون: «إن الوقت لم يحن لإيقاف القتال»، وهو - في رأيهم - لن يحين إلا باخضاع لبنان إلى كل شروطهم، ولا يهم بعد ذلك ما يحصل في لبنان من قتل وتدمير...
الهدف الذي يسعى إليه الأميركان والصهاينة، كما يعلم الجميع هو إنهاء أية مقاومة في الوطن العربي مهما كان نوعها، وهم يدركون أن القضاء على روح المقاومة عند حزب الله أو «حماس» يعني تمكينهم من ممارسة كل طغيانهم على العرب لأن روح المقاومة ستموت في العالم ولن تقوم له قائمة بعد ذلك.
القضاء على المقاومة سيمكن الأميركان من تفصيل العالم العربي بحسب أهوائهم إلى ما يسمى «الشرق الأوسط الجديد» الذي تنادي به وزيرة الخارجية الأميركية وتصر على تحقيقه بعد انتهاء الحرب في لبنان بحسب رغبتهم...
وملامح هذا الشرق هي تقطيع أوصال الدول العربية إلى دويلات هزيلة لا قيمة لها، والهدف من وراء ذلك ان تكون «إسرائيل» هي القوة الوحيدة في المنطقة والتي بإمكانها تحقيق السيطرة الكاملة على سائر المنطقة لتفعل بها ما تريد بحسب الخطة الأميركية.
أميركا ابتلعت العراق وتريد حالياً ان تمزق حزب الله ليكون هذا العمل بداية لضرب سورية أو احتلالها، ثم الالتفات إلى إيران بعد ذلك وكذلك تسير في مشروعها الاستعماري خطوة خطوة...
قلت كثيراً انني لا ألوم أميركا ولا الصهاينة فهم يريدون تحقيق مصالحهم بأي طريقة وهم، كما نعرف لا يهمهم الطريقة التي يصلون بها إنما المهم ان يصلوا ولو على جثث الملايين من البشر.
اللوم - كل اللوم - على الحكومات العربية والشعوب العربية التي تلتزم الصمت إزاء كل هذه الجرائم ولا تتحرك لفعل شيء... تناسى هؤلاء المعاهدات العربية كلها، وتناسى هولاء الدين الذي يجمعهم، وتناسى هؤلاء حقهم المشروع في الدفاع عن أنفسهم وبلادهم. وتناسوا كذلك ان ما اصاب بلداً عربياً قد يصيب آخر في أي وقف...
أليس من العيب ان حزبا مثل حزب الله يفعل في «إسرائيل» ما عجزت عنه دول بأكملها؟ ألم يكن من الأولى أن تشارك دول عربية في هذه المعركة وهي تملك إمكانات أكثر من إمكانات حزب الله؟ لو انها لكانت هزيمة ساحقة للصهاينة، ولكن الخوف وسواه يمتلك هؤلاء وكان العقل والمصلحة والدين يجب أن يدفعهم للمشاركة وهم يرون النتائج التي يحققها حزب الله على ضآلة إمكاناته... الدول العربية لم تحرك ساكناً، لم تعطِ أي وزن لشعوبها، لم تغلق سفارات الصهاينة ومكاتبه في أراضيها وكأن شيئاً لم يجر في لبنان وفلسطين، لم تقاطع بضائع الأميركان ومن على شاكلتهم... ماذا تنتظر هذه الحكومات؟ كيف تريد من شعوبها أن ترتبط بها؟ حتى القول إن من حق حزب الله أن يدافع عن بلاده لم نسمعها بوضوح فماذا بقي إذاً؟ ليتهم يدركون أن الخطر سيقع عليهم ماداموا كذلك ولن يقتصر على شعوبهم...
بلادنا العربية كلها تمر بأزمة حقيقية وعلى كل عاقل إلى أن يتحرك بجدية لكي يخفف منها أو يقضي عليها وإلا فإن الطوفان سيدمر كل شيء
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1420 - الأربعاء 26 يوليو 2006م الموافق 29 جمادى الآخرة 1427هـ