العدد 1420 - الأربعاء 26 يوليو 2006م الموافق 29 جمادى الآخرة 1427هـ

لبنان خط الدفاع الأول... والأخير!

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

حين يتاح لأي منا أن يعيش في جنوب لبنان ولو لفترة وجيزة، يتنقل بين قراها ويتسامر مع أهلها، ثم يسير إلى جانب الأسلاك الشائكة التي تفصل بين لبنان وفلسطين المحتلة، فيشاهد آليات العدو الصهيوني وجنوده وهم يدنسون بأقدامهم النجسة تراب فلسطين الطاهر، ويصوّبون بنادقهم وراداراتهم وكاميراتهم وأجهزتهم التجسسية تجاه كل شيء في لبنان، تقفز إلى ذهنه الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام.

ترى هل من الممكن أن نتعايش مع هذا الوضع إلى الأبد؟ هل يعقل أن ترى أهلك تحت مرمى النار، أهدافاً لآلات القتل والدمار الصهيونية في كل لحظة ودقيقة، وتبقى صامتاً من دون تعليق حتى إشعار آخر؟ وتبقى يدك مكتوفة من دون حراك؟

إن من يعرف اللبنانيين حق المعرفة وخصوصاً الجنوبيين منهم، يثق بأنهم قوم لا يرتضون الذل ولا يقبلون الخنوع والمهانة. فقبل العدوان الصهيوني على لبنان، قدر لي أن أكون في جنوب لبنان ضيفاً على إحدى الأسر الجنوبية في قرية العديسة المتاخمة للحدود، مكثت مع أهلها ثلاثة أيام جلت في أرجائها راجلاً، ثم طفت على الحدود ووصلنا إلى مواقع المواجهة مع العدو في تل العباد وعيتا الشعب وحولا، وبوابة فاطمة التي شهدت اندحار الصهاينة في مايو/ أيار 2000. لفت انتباهي تلك الجرأة الكبيرة التي يتمتع بها الجنوبيون، حين دعاني صديقي الجنوبي من بيت رمال إلى الصعود إلى تل العباد، إذ لا يفصلك عن الصهاينة سوى الأسلاك الشائكة. ثلاث نقاط مراقبة كل منها عينه على الآخر، الأولى للصهاينة، الثانية للأمم المتحدة التي لا تفعل شيئاً، أما الثالثة فكانت لمن يصنع الكرامة في زمن الكرامة والنصر، إنها نقطة مراقبة حزب الله.

نعم... منذ زمن وهم يقفون هناك وجهاً لوجه مقابل الصهاينة، يدهم على الزناد وعيونهم لا تنام، وذهنهم متقد، يفكرون دائماً في صناعة المجد والبطولة، يسطرون بدمائهم الزكية الطاهرة تاريخاً جديداً لم نعهده من قبل، تاريخ صفحاته تتحدث عن العزة والعزيمة والروح الاستشهادية التي تشربوها من سيرة سبط رسول الله (ص)، الإمام الحسين بن علي (ع) يوم وقف في كربلاء ينادي «ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله ورسوله لنا ذلك». تمعن النظر إلى هذه النقطة الشامخة على الحدود لعلك ترى من بين الصخور صورة مقاتل رابض على خط النار، وحين لا يكتب لك التوفيق في ذلك، تقول في نفسك هكذا تكون المقاومة.

تنحدر بنا السيارة قافلين بعد أخذ صور أمام موقع العدو ويظل عالقاً في الذهن اسم سيد المقاومة وإمامها السيدحسن نصرالله وهو مكتوب فوق دشم العدو يذكرهم بأيام الذل والاندحار، بينما ترفرف راية حزب الله منقوش عليها «فإن حزب الله هم الغالبون» ويد صامدة شامخة ترفع بندقية المقاومة، وفي الطريق تتراءى أمامنا المستوطنات الصهيونية واحدة بعد الأخرى، ونرى طريقاً مشقوقة توصل بين جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، فيتبادر إلى الذهن من دون مقدمات سؤال ملح: كيف سمح لهؤلاء أن يستوطنوا بلادنا؟ كيف سمح لهم أن يقطعوا أوصالنا بهذه الطريقة؟

وبينما خيط الأسئلة يمتد إلى البعيد، وإذا بصوت صديقي: انظر هناك، هذه أراض لبنانية لم نستعدها بعد، وهذه الأراضي انسحب منها العدو حديثاً لكن أهلنا في الجنوب لم يعمروها بعد لأنها لاتزال تحت مرمى النيران الصهيونية.

وبينما نسير، أطلب من صديقي أن يتوقف لنترجل من السيارة، وما أن أهم بتجاوز سلك شائك كان في يوم من الأيام حدوداً للمحتل حتى يوقفني صديقي بشكل صارم: «قف، لا تتجاوز ذلك السلك، فهذه المنطقة لاتزال تعج بآلاف الألغام التي خلّفها المحتل، ولايزال يرفض أن يسلمنا خرائطها. عدد كبير من اللبنانيين دفع حياته ثمناً لمحاولة تجاوز هذه الأسلاك». أتنهد حسرة وتكبر أمام عيني الأسئلة: هل صحيح أن لدينا 22 دولة عضواً بالأمم المتحدة؟

وحين نهم بالصعود إلى السيارة أرى دورية بيضاء ترفع أعلاماً زرقاء تتوسطها خريطة العالم باللون الأبيض، أنظر إلى صاحبي، نتبادل ابتسامات السخرية ونحن نرى أفراد الكتيبة الهندية يمرون إلى جانبنا وكان بيدهم أن يفعلوا أي شيء.

في السيارة نستأنف حديثنا عن الألغام التي خلّفها الصهاينة في لبنان، فيقول صديقي اللبناني: في كل المناطق التي أجبر العدو على تركها في العام 2000 عندما أجبرته المقاومة على الاندحار الذليل، ترك مناطق ملغومة يدفع سكان الجنوب ثمنها كل يوم دماً وأطرافاً مبتورة ويتامى ونساء ثاكلات لا يعرف عنهم العالم العربي شيئاً سوى ذلك النزر اليسير من الأنباء التي تسوقها وكالات الأنباء ووسائل الإعلام. باختصار، لقد أصبح ضحايانا رقماً يضاف إلى الضحايا العرب الكثيرين الذين حصدتهم آلة الدمار الصهيونية الغاشمة.

وددت أن أخفف عليه وطأة الحديث، قلت مازحاً: لكن كثيراً من الاستثمارات العربية بدأت تطل برأسها عليكم وإن هي إلا شهور وربما سنين قليلة حتى يجتذب الجنوب اللبناني الكثير من رجال الأعمال واستثمارات الدول العربية التي تريد أن تعبّر لكم عن شكرها وتقديرها للدور الذي لعبتموه في إعادة الكرامة العربية وتمريغ العدو الصهيوني في الوحل. نظر إلي نظرة المشكك، وقال: في كل الأحوال، سيبقى الجنوب مقبرة للغزاة. الأمة العربية لم تعد أمة ثكلى، وسيبقى لبنان خط الدفاع الأول والأخير للأمة العربية والإسلامية، فإذا صمد هذا الجدار صمدت الأمة وإذا انهار... فعلى الأمة السلام.

تذكرت ذلك وأنا أتابع البطولات التي يسطرها أهلنا في الجنوب، واستمع إلى وعد سيد المقاومة وهو يقول: «لبنان اليوم يخوض معركة الأمة». نصرك الله يا سيد المقاومة وثبتك والمجاهدين من حزب الله أمام آلة الدمار الصهيونية، وأمام الحصار الظالم من ذوي القربى

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 1420 - الأربعاء 26 يوليو 2006م الموافق 29 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً