العدد 1420 - الأربعاء 26 يوليو 2006م الموافق 29 جمادى الآخرة 1427هـ

بدرُ لبنان

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما طرحه الأمين العام لحزب الله السيدحسن نصرالله، في وقتٍ متأخرٍ من مساء الثلثاء الماضي، يستدعي إعادة رسم الصورة من جديدٍ ل «نكبة لبنان». فإذا كان نصرالله يستند إلى معلومات، فإن أطناناً مما قيل وكُتب ورُوِّج عن «خطأ التوقيت» يصبح لغواً سخيفاً مردوداً على أصحابه المغفّلين.

منذ البداية، كان واضحاً أن حزب الله لم يكن يتوقّع حجم رد الفعل الذي اتفق حتى الأوروبيون على أنه مبالغٌ فيه. فالحزب كان يفكّر في أسر جنودٍ ومبادلتهم في وقتٍ لاحق، مع الاستعداد لتلقّي ضربةٍ انتقاميةٍ إسرائيليةٍ سريعة لن تدوم أكثر من ساعات (لولا خذلان النظام العربي المترهل). ومن الواضح أن حزب الله وجد نفسه أمام حربٍ مفتوحةٍ فرضتها عليه «إسرائيل» ولم يكن أمامه غير الصمود والتوكّل على الله.

طرحُ نصرالله، يلتقي مع ما طرحته صحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل» الأميركية، التي كشفت أن الإعداد لهذه الحرب بدأ منذ 2000 (عام الاندحار الإسرائيلي)، واكتمل التخطيط في 2004، فنحن أمام عمليةِ أخذٍ بالثأر، فضلاً عن تحضير المشهد الإقليمي للحروب التي يعُد لإشعالها الإسرائيليون والأميركيون بالمنطقة.

نصرالله أشار إلى أن الخطة كانت ستنفذ نهاية سبتمبر/ أيلول أو بداية أكتوبر/تشرين الأول، وكان من المقرّر أن تدوم ثلاثة أسابيع، وأن لا علاقة لعملية الأسر بالحرب الجارية. وبالتالي فإن عملية الأسر إنما كانت بمثابة عملية «إجهاض» لعدوانٍ أكبر وأشنع، وإن لم تكن مقصودةً من حزب الله. ومن هنا سقط «جنين» العدوان وهو في شهره السابع، وسقط معه عنصر المفاجأة بفعل «رفسة» بسيطة لم تكن مقصودة!

هذه الحرب العدوانية، مهما طالت فستنتهي وتبقى منها العبر للتاريخ، وأكبر عبرة فيها أنه «ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضيَ اللهُ أمراً كان مفعولاً» (الأنفال: 42). وهذه الآية تتحدّث عن أجواء معركة بدر التي عرفت ب «الكبرى» لأنها كانت حاسمةً في التاريخ الإسلامي، مع ان الجيشين المتحاربين لم يزد تعدادهما على 1400 شخص! فالمسلمون الذين عذبتهم قريش 13 عاماً، وطاردتهم وصادرت ممتلكاتهم وأموالهم في مكة، كانوا يريدون الإيقاع بقافلةٍ تجاريةٍ لقريش، لكن أبا سفيان هرب بها إلى ساحل البحر الأحمر، وعاد إليهم بجيشٍ كبير ليقضي عليهم و«ينزع سلاحهم» ويدفعهم إلى الخلف! والمسلمون كانت أعينهم على القافلة: «وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم» (الانفال: 7)، وبعضهم كان متردداً وخائفاً من المواجهة «وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون»، (الأنفال: 5)، وقدّر الله أن يلتقي الجيشان عند بئر ماء «بدر»، ليفتح الدين الجديد سجل أول الانتصارات، لتولد حضارة الإسلام في تلك الصحارى المترامية الأطراف.

فهناك إذاً لحظاتٌ حاسمةٌ في التاريخ لا يجيد قراءتها المغفّلون وقصارُ النظر وأصحابُ التنظيرات الفارغة، هكذا كانت معركة بدر، ومثلها الخندق التي قال فيها الرسول الأعظم (ص): «اليوم برز الإسلامُ كلّهُ للكفر كله». واليوم شئنا أم أبينا، أحب الحكام العرب حزب الله أو كرهوه، فإن ما يجري في لبنان معركةٌ حاسمةٌ، يقودها أحد أحفاد محمد (ص)، برزت المقاومة كلها للطغيان كله، ستقرّر مصير المنطقة العربية، فإما أن ندخل عصر ظلماتٍ سيمتد عقوداً طويلةً من الهوان والذل وتكريس التبعية، وإما أن تدخل عناصر جديدةٌ على المعادلة السياسية في المنطقة، لتواجه الإحتلال في فلسطين المحتلة ولبنان... حتى العراق وما بعد بعد العراق

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1420 - الأربعاء 26 يوليو 2006م الموافق 29 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً