رئيسة المفوضية العليا لشئون حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، لويز أربور، وهي قاض سابق في المحكمة العليا الكندية وممثل ادعاء في جرائم الحرب، تقول إن على جميع الأطراف «احترام مبدأ التناسب» الذي يعني أنه لا يمكن لدولة ما اتخاذ إجراء غير محدود كرد فعل على حادث ما.
وحذرت من تحقق ارتكاب جرائم حرب خلال الصراع الدائر حاليا بين «إسرائيل» وحزب الله وأضافت أن المادة 51 من البروتوكول الأول لاتفاقات جنيف 1949 تنص على أن: «التجمعات السكانية، مثلها مثل الأفراد المدنيين، يجب ألا يكونوا هدفا للهجمات» أما المادة 52 من البروتوكول فتنص على «أن الهجمات يجب أن تكون مقتصرة فقط على الأهداف العسكرية» وتستنتج، لذلك تكون هناك جريمة حرب في حال استهدف المدنيون لكونهم مدنيين خصوصاً...».
وفي أول تحرك حقوقي عربي للمطالبة بالتحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الشعب اللبناني، أرسل المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة بدعوة إلى النائب العام بالمحكمة الجنائية الدولية لويس أوكومبوا، لاستخدام صلاحياته وإرسال مبعوثين دوليين للبنان من أجل تقصي الحقائق وتوثيق جرائم الحرب التي ترتكب هناك ضد المدنيين العزل. ووصف مدير المركز، محقا ما يحدث بأنه عمليات إرهاب دولي تقوم بها «إسرائيل» ضد المدنيين.
وحتى نحكم بأنفسنا وبموضوعية إن كانت «إسرائيل» وأمها وحليفتها أميركا مجرمتا حرب أم لا، فلابد لنا من مراجعة الالتزامات القانونية على دولة العدو الصهيونية، ومراجعة ماهية جرائم الحرب وحقوق المدنيين الواجب مراعاتها في الحروب.
في هذا الصدد، تحتكم الدول الموقعة إلى اتفاقات جنيف والبروتوكولات المضافة إليها، مشكلة منظومة كاملة من الأدوات القانونية لمعالجة تداعيات خوض الحروب وحماية الأفراد. وهدف هذه المنظومة الأساسي هو حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال كالمدنيين والأطباء وعمال الإغاثة، والأشخاص الذين أصبحوا عاجزين عن القتال، كالجرحى والمرضى والجنود الغرقى وأسرى الحرب. وبحسب موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن اتفاقات جنيف تلك هي جوهر القانون الدولي الإنساني للحد من وحشية الحرب وحماية المدنيين فهل تحترم «إسرائيل» وأميركا القانون الدولي.
في البداية كان اتفاق جنيف الأول للعام 1864 وتناول حصراً رعاية الجنود الجرحى؛ ثم تم تعديل القانون ليشمل الحرب البحرية وأسرى الحرب فكان اتفاق لاهاي المبرمة في العام 1907. وسمي اتفاق لاهاي بالقانون العرفي لتعزيزه الأعراف الإنسانية والقيم النبيلة المشتركة بين الحضارات القديمة كالحضارة البابلية والصينية والمصرية والهندية وكل مبادئ الأديان خصوصاً تلك التي تحمي المدنيين غير المحاربين والأسرى والمرضى والجرحى من المحاربين.
وبعد اندلاع الحربين العالميتين المدمرتين، شعر المجتمع الدولي بضرورة إيجاد قانون أكثر فعالية، فكانت اتفاقات جنيف الأربع في العام 1949 وبروتوكولاتها العام 1977 التي تطالب باتخاذ إجراءات لمنع وقوع ما يعرف «بالانتهاكات الجسيمة» أو وضع حد لها، كما أوجبت معاقبة المسئولين عن الانتهاكات. وانضم إلى الاتفاقات ما يزيد على 190 دولة، أي كل دول العالم تقريباً في ضوء كثرة وشدة الحروب، فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حدث ما يقرب من (250) صراعاً مسلحاً ذا طابع دولي، ومحلي، ووصل عدد الضحايا في هذه الحروب إلى ما يقرب من (170) مليون شخص.
واتفاقات جنيف الأربع المؤراخة في 12 أغسطس/ آب 1949 هي اتفاق حنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان، واتفاق جنيف لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار، واتفاق جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب، واتفاق جنيف الخاصة بحماية المدنيين في زمن الحرب. أما المادة الثالثة فهي مادة مشتركة بين الاتفاقات الأربع، وكأنها اتفاق مصغر بذاته ويقول معظم المحامين إنها هي التي يتعين تطبيقها في حال شبيهة بالصراع الدائر حالياً في الشرق الأوسط وتنص على: «في حال قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف من أطراف النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام الآتية:
1) الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، من دون أي تمييز ضار يقوم علي العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة، أو أي معيار مماثل آخر. ولهذا الغرض، تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقي محظورة في جميع الأوقات والأماكن:
أ) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وخصوصاً القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب.....» إلى بقية الأفعال المحظورة...
ومن النصوص القاطعة الخاصة بحماية المدنيين ما ورد في المادتين 31، 32 من اتفاق جنيف الرابع والمادة (53) في الاتفاق نفسه بشأن حظر تدمير أي ممتلكات خاصة؛ ثابتة أو منقولة، تتعلق بأفراد أو جماعات أو بالدولة أو السلطات العامة أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية. بالإضافة إلى ما مضامين المواد أرقام 48، 50، 51، 52 من البروتوكول الإضافي الثاني للعام 1977 من تمتع المدنيين بالحماية من أخطار العمليات العسكرية وقصرها على المواقع العسكرية، مع حظر أعمال العنف أو التهديد أو إثارة الذعر بين المدنيين، علاوة على عدم مهاجمة الأماكن المدنية كالمنازل أو المدارس والمساجد والكنائس أو تدميرها.
لقد أوردنا فيما سبق بعضاً من نصوص القانون الدولي الإنساني وتحليلات كبار أساتذة القانون الدولي، ومواد المواقع الإلكترونية للمنظمات الدولية العاملة في مجالات حقوق الإنسان والإغاثة في الحروب. وهناك شروح مكثفة ومكتوبة بشكل مفهوم بشأن طبيعة الأعمال الإرهابية في الحروب مثل الهجمات على المدنيين وعلى الأهداف المدنية، والهجمات العشوائية غير التمييزية. وعند إسقاطنا بنود تلك المواد على ما نشاهده هذه الأيام في لبنان، وقبلها وباستدامة وبوحشية أكبر، على فلسطين يتبين لنا ومن دون جهد أنه يمكن إدانة كل من «إسرائيل» وحليفتها أميركا لانتهاكهما المتكرر مواد عدة في القانون الدولي الإنساني وبتحد سافر ومستهتر، وأنه يجب تقديمهما إلى المحاكمة الجنائية الدولية عبر مرافعة قانونية إقليمية ودولية يقودها المحامون الشرفاء. وفي المقال القادم سنذكر بجرائم الحرب المهولة والمجازر المروعة التي قامت بها العصابات الصهيونية على مر التاريخ في فلسطين ثم ادعت أن حركات المقاومة المسلحة حركات إرهابية، سنذكر فلعل الذكرى تنفع المؤمنين
إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"العدد 1420 - الأربعاء 26 يوليو 2006م الموافق 29 جمادى الآخرة 1427هـ