العدد 1420 - الأربعاء 26 يوليو 2006م الموافق 29 جمادى الآخرة 1427هـ

لعبة أميركية وخيمة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

فشل «مؤتمر روما» الذي أنهى أعماله أمس في إيطاليا بحضور الولايات المتحدة ولبنان في التوصل إلى تحقيق وقف فوري ومباشر لإطلاق النار. واتهم وزير الخارجية الإيطالي أميركا بأنها أحبطت كل المحاولات التي جرت لتحقيق هذه الرغبة اللبنانية. وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس لم تتهرب من التهمة مؤكدة أنها ترغب في وقف النار بعد التوصل إلى حل سياسي عام في منطقة «الشرق الأوسط الجديد» أو على الأقل التوافق على حل جذري لكل المشكلات المحلية والإقليمية في لبنان.

عدم التوصل إلى وقف لإطلاق النار يعني أن الولايات المتحدة تريد شراء المزيد من الوقت لحكومة إيهود أولمرت لتحقيق بعض «المكاسب» الميدانية على أرض الجنوب اللبناني، تشكل لاحقاً قاعدة انطلاق للسياسة الأميركية نحو تعديل موازين القوى وصوغ مشروع قرار دولي يضغط على دول المنطقة ويعطي ذريعة لاستكمال ما تبقى من حلقات في استراتيجية التقويض.

نتائج «مؤتمر روما» تعكس في النهاية مجموع الموازين الدولية والعربية والإقليمية التي استقر عليها العدوان الأميركي - الصهيوني على لبنان. فالعدوان دخل يومه السادس عشر وحتى الآن فشل في تحقيق اختراق جدي على الأرض، ولكنه نجح مبدئياً في تقويض الدولة وزعزعة أركان الكيان السياسي وتهميش الحكومة واضعاف قدراتها اللوجستية على التحرك الميداني. كذلك نجح العدوان في فرض سيطرته الجوية والبحرية على لبنان وتطويقه من جهتين كما هو حال قطاع غزة. وهذه السيطرة الجوية - البحرية سمحت لتل أبيب التحكم بمخارج البلد الصغير ومداخله وبات عرضة للتجويع في حال قررت الولايات المتحدة هذا الأمر.

واشنطن حتى الآن لاتزال تتحكم بمفاتيح الحل سلباً وإيجاباً. وهي تستطيع أن توقف إطلاق النار في الوقت الذي تريده ويناسب حليفها الإسرائيلي. إلا أنها قررت كما يبدو إعطاء فرصة للحرب المفتوحة التي تقودها حكومة أولمرت ضد بلد انكشف دولياً وعربياً وإقليمياً ولم يعد أمامه من خيار سوى المواجهة على أكثر من جبهة. فهو يخوض معركة فرضتها عليه الولايات المتحدة وفي الآن لا يستطيع الاستغناء عن أميركا ودورها في الطلب من تل أبيب بعقد هدنة إنسانية لسحب الشهداء والجرحى أو فتح ممر بحري أو جوي لتسهيل نقل الإغاثة الإنسانية.

شروط اللعبة

أميركا إذاً باتت هي الطرف الوحيد، حتى الآن، الذي يتحكم بشروط اللعبة الوخيمة مستفيدة من انكشاف سقف لبنان وذاك القرار (الفتنة) الذي يسفك الدماء بذريعة العمل على تطبيق ما تبقى من فقراته. ومشكلة لبنان في القرار 1559 انه يستظل بما يسمى بـ «الشرعية الدولية» وتحت سقفها يتم تقويض دولته وتغيير معالمها الحجرية والبشرية. وتغيير المعالم أطلقت عليه رايس «الشرق الأوسط الجديد».

كل هذا المشروع الذي يعتمد سياسات «الفك» و«التركيب» وإعادة التفكيك والتركيب يتم تمريره تحت ذريعة خطف جنديين في عملية نوعية دفاعية نفذها حزب الله في 12 يوليو/ تموز الجاري.

الذريعة طبعاً واهية وكاذبة ومخترعة وهي مجرد غطاء لخطة موضوعة ومدروسة ومبرمجة منذ انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان تحت ضربات المقاومة وتنفيذاً للقرار الدولي 425. والحرب المفتوحة/ المكشوفة التي دخلت أسبوعها الثالث اتفق عليها واتخذ القرار بشأنها حين قام رئيس الحكومة الائتلافية الصهيونية في زيارته إلى واشنطن. فقرار الحرب اتخذ آنذاك وهناك، وانتظر اللحظة المناسبة كإشارة للبدء في التنفيذ. وحين حصلت عملية الخطف بدأ مشروع التقويض يأخذ مجاله الحيوي مستفيداً من «الذريعة» كمادة خام تستخدم للترويج الإعلامي ولإسكات القوى الدولية المعروفة تقليدياً في تأييدها للبنان والوقوف إلى جانبه في مجلس الأمن.

«الذريعة» إذاً ليست السبب وانما اتخذت واسطة لنسف كل الجسور الدولية والعربية والإقليمية التي يمكن أن يعتمد عليها لبنان لبناء غطاء يمنع «إسرائيل» من التمادي في شن حرب الدمار الشامل ضد بناه السكنية والسكانية. وجاءت هذه «الذريعة» المصطنعة والمختلقة لتعطي زخماً للحرب العشوائية. كذلك أعطت دفعة لتحريك عجلات ما يسمى بتطبيق ما تبقى من فقرات لم تنفذ في القرار 1559.

الولايات المتحدة استغلت هذه الفرصة ووجدت فيها مناسبة لإعادة صوغ مشروعها المعلن تحت مسميات جديدة. كذلك شكلت ذريعة للكيان الصهيوني في إعادة الاعتبار لدوره الإقليمي والمشاركة كقوة مركزية في هيكلة دول المنطقة. ولهذا السبب تماطل أميركا في الدعوة إلى وقف إطلاق النار. والتهمة التي أطلقها وزير الخارجية الإيطالي صحيحة ورايس لم تنكرها. فأميركا كما ذكرت تريد أن تتوصل إلى حل سياسي قبل الاتفاق على وقف للنار. وهذا يعتبر من الأمور المستحيلة. إذ كيف يمكن التوصل إلى تفاهمات سياسية في وقت لاتزال المعارك جارية على الأرض ولا تسمح تل أبيب بفتح الطرقات المحلية والبحرية والجوية لنقل الجرحى والمساعدات الغذائية والطبية الا بإذن منها. فهذا يعتبر نوعاً من الابتزاز السياسي لانتزاع تنازلات عن حقوق لبنان المشروعة تحت ضغط الصواريخ والقنابل والغارات وصراخ النساء والأطفال والشباب والرجال وانين الجرحى وصيحات الاستغاثة.

هذه الحرب المفتوحة/ المكشوفة تحولت إلى نوع من الحرب المحروقة. فالولايات المتحدة تدعم «إسرائيل» للثأر والانتقام من بلد صغير بذريعة «المخاض» لبناء أو رسم أو صوغ مشروع «الشرق الأوسط الجديد». وهي أيضاً تجد في تلك الحرب المفتوحة/ المكشوفة بداية جيدة لتصحيح وضعها الذي أصيب بضربات موجعة في أفغانستان والعراق.

معركة ميدانية

مضى حتى اليوم 16 يوماً على حرب التقويض ضد الدولة والمقاومة. والاحتمالات لاتزال مفتوحة على مراحل جديدة قد تحمل معها تداعيات خطيرة إنسانياً وإقليمياً وعربياً وأميركاً ودولياً.

دولياً تبدو الأمور مؤجلة على الأقل إلى الثلثاء المقبل موعد انعقاد الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن في نيويورك. وأميركياً تبدو واشنطن غير مستعجلة في أمرها وهي تراهن على متغيرات ميدانية قبل عودة رايس إلى المنطقة الأحد المقبل. وعربياً بدأ الجو يتغير لمصلحة لبنان بعد تلك التحركات التي قادها المحور الثنائي السعودي - المصري وما صدر عنه من تحذيرات تنبه إلى احتمال سقوط مشروع السلام وعودة سياسة الحرب إلى المنطقة وما تعنيه من احتمال انفتاحها على مجرى «الفوضى الهدامة» كما قال الرئيس المصري. وإقليمياً بدأت المواقف السورية تنتقل من الغموض إلى الوضوح على إثر تلك التصريحات التي صدرت عن وزير الخارجية وليد المعلم (سفير سابق في واشنطن) بشأن الدور الإقليمي واستعداد دمشق لضبط الوضع. وإنسانياً بدأت فضائح القتل والتدمير والسحق والهدم والحرق التي تقوم بها «إسرائيل» نيابة عن أميركا تحرك الرأي العام العالمي والعربي والإسلامي وأخذت الضغوط الشعبية والسياسية على الحكومات الأوروبية تترك تأثيراتها الإعلامية على الرأي العام.

كل هذه المتغيرات المتعاكسة سلباً وإيجاباً أخذت تعصف بالمنطقة ولبنان. والصراع مع الوقت بدأ يشق طريقه لكشف الكثير من الأوراق السرية. إلا أن الرهان يبقى على الميدان العسكري الدائر الآن في تلك «القشرة» التي تقع على خط النار الفاصل بين لبنان و«إسرائيل». فالصمود على الأرض والثبات في المواقع وتكتيكات الكر والفر التي يقودها حزب الله أظهرت أن إمكانات كسر المعادلة جزئياً مسألة غير مستبعدة وخصوصاً بعد أن أعلن السيدحسن نصرالله في كلمته أمس أن مرحلة «ما بعد حيفا» اقتربت.

لاشك في أن المرحلة الجديدة المتوقعة في الحرب المفتوحة/ المكشوفة ستنقل المواجهة إلى العمق الإسرائيلي ويحتمل أن تنقل الرد الصهيوني إلى مكان أوسع أو على الأقل إلى معركة كسر للتوازن السلبي الذي بدأت معالمه السياسية ترتسم خطوطها في ساحة القتال.

القتال إذاً لن يتوقف بعد أن أفشلت الولايات المتحدة «مؤتمر روما». وهذا القتال الذي بدأ ينتقل إلى مرحلة جديدة وربما موجة جديدة (حرب متدحرجة) يبدو أنه سيستمر إلى الأحد المقبل (زيارة رايس) أو ربما يتواصل إلى الثلثاء المقبل (جلسة مجلس الأمن)... أو إلى ما بعد الثلثاء. أي إلى ذاك الاحتمال الذي أشار إليه خادم الحرمين الشريفين حين حذر من عواقب وخيمة لانهيار خيار السلام في الشرق الأوسط

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1420 - الأربعاء 26 يوليو 2006م الموافق 29 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً