نواصل في هذه الحلقة النقاش الذي بدأناه يوم أمس بخصوص أولويات القطاع الخاص والخطوات التي اتخذتها الحكومة لمعالجة هذه التحديات. بحسب رجال الأعمال والمستثمرين هناك ست أولويات تعوق العمل التجاري في البحرين مرتبة على النحو الآتي: 1- الحصول على التمويل. 2- البنية التحتية. 3- كفاية القوانين والنظم. 4- الحصول على قطعة أرض. 5- المعاملات الحكومية، و6- تطبيق القانون والنظام القضائي. تحدثنا أمس عن النقاط الثلاث الأولى ونواصل البحث اليوم بدءا بالنقطة الرابعة.
الحصول على قطعة أرض
أورد بعض من شملهم الاستبيان أنهم يعانون من مشكلة الحصول على قطعة أرض لإقامة أو توسعة مشروعاتهم. والسبب الرئيسي لذلك يعود لعدم وجود مخطط شامل لأراضي المملكة فالأمور قابلة للتغير بين ليلة وضحاها. في الوقت الحاضر يوجد تقسيم متكامل إلى 11 في المئة فقط من أراضي البحرين. بمعنى آخر، من الممكن حدوث تغيير في مسارات وأوضاع 89 في المئة من الأراضي الأخرى. المؤكد أن هكذا وضع لا يرضي المستثمر إذ لا يعرف ما يمكن أن يؤول إليه مصير المنطقة التي اشترى فيها قطعة أرض، إذ من الممكن أن يتم تأسيس محال تجارية بالقرب من منطقة سكنية أو حتى مصرف فرع لمصرف تجاري بالقرب من محل خدمة السيارات. حقيقة أنه لأمر مؤسف أن نرى العمران العشوائي في الكثير من مناطق البحرين كما هو الوضع في منطقة سوق واقف في مدينة حمد.
وفي هذه العجالة لا بأس من الإشارة إلى بعض ما قاله عدد من المستثمرين أثناء المقابلات التي أجريت معهم بخصوص مسألـة الأراضي. يقول مستثمر محلي في قطاع السياحة «كيف أستطيع استثمار ملايين الدينارات من دون أن أعرف إذا كان تقسيم المنطقة التي سأبني فيها سيتم احترامه؟» ويقول مسئول في شركة سياحية «لا توجد إجراءات واضحة للتقدم بطلب للحصول على الأراضي الحكومية ولا توجد معايير ثابتة لتوزيع الأراضي». وبحسب عضو منتدب في شركة تطوير العقارات فإن «نظام توزيع الأراضي يفتقد إلى الشفافية ما يجعله عرضة للفساد». ويقول مستشار عقاري: «إن المعلومات المتعلقة بملكية الأراضي غير متوافرة والاطلاع عليها مقيد من قبل جهاز المساحة والتسجيل العقاري ومن الصعب جدا معرفة مالك الأرض». إضافة إلى ذلك، يقول مالك مصنع صغير «لم أستطع الحصول على قطعة أرض جيدة في المنطقة الصناعية لذلك لا أعرف كيف سأتمكن من التوسع؟». أخيراً وليس آخرا يقول مسئول في شركة فنية «نعاني منذ فترة في سبيل الحصول على قطعة أرض بجوار المطار خصوصا وأن معظم تلك الأراضي مملوك للحكومة».
لكن يبدو أن الأمور بدأت تسير في الاتجاه الصحيح بعد الإعلان عن إرساء عقد على مجموعة بقيادة «سكديمور وأونيج ومورل» الأميركية لإجراء المخطط الاستراتيجي الهيكلي الوطني لمملكة البحرين. وبحسب التقارير الصحافية، من بين الأمور الأخرى، فقد اكتشفت شركة «سكديمور» أن نحو 90 في المئة من أراضي البحرين أصبحت مملوكة فضلا عن محدودية المساحة البحرية المتوافرة للناس للاستماع بالبحر (كل ذلك مع أن البحرين جزيرة).
المعاملات الرسمية
اتضح من الاستبانة وجود تذمر من الخدمات المقدمة من بعض الدوائر الرسمية. فتبين أن 29 في المئة فقط ممن شاركوا في البحث الميداني بأنهم راضون من المعاملات الحكومية. وزعم آخرون أنه في بعض الأوقات توجد ضرورة لتقديم نوع من المعاملة الخاصة حتى يتسنى لهم الحصول على الخدمات المطلوبة. فقد اعترف 43 في المئة ممن شملهم الاستبانة بدفع رشاوى للحصول على الخدمات الحكومية بالسرعة المطلوبة.
من جهة أخرى، تعاني البحرين من مشكلة البيروقراطية. بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي فإن البحرين تعاني من تعقيد في الإجراءات الرسمية، إذ تحل في المرتبة 81 في العالم من حيث العوائق البيروقراطية (حصلت فنلندا على أفضل نتيجة بينما حلت الإمارات في المرتبة 66 دولياً).
أيضاً لا بأس بالإشارة إلى مسألة محاربة الفساد الإداري والمالي في ظل تراجع أداء البحرين على «مدركات الفساد» في تقرير الشفافية الدولية. بحسب تقرير المنظمة، والتي تتخذ من ألمانيا مقرا لها، تراجع مركز البحرين في المؤشر من المرتبة 27 في العام 2003 من بين 133 دولة إلى المرتبة رقم 34 في العام 2004 بين 146 دولة ثم إلى المرتبة 36 من بين 159 دولة في العام 2005. تعرف الشفافية الدولية الفساد على أنه «سوء استعمال الوظيفة في القطاع العام من أجل تحقيق مكاسب شخصية» ولا تميز بين الفساد الإداري والفساد السياسي، أو بين الفساد الصغير والفساد الكبير. وترى أن عمليات الفساد يسلب البلدان طاقاتها وتمثل عقبة كأداء في طريق التنمية المستدامة. للأسف لا يوجد دليل مادي يؤكد نية الحكومة محاربة الفساد الإداري.
تطبيق القانون والنظام القضائي
حقيقة لا تتوفر معلومات تفصيلية بخصوص أداء الجهاز القضائي. لكن تتكرر شكاوى بين العامة من طول الإجراءات القضائية والاستئناف فضلا عن كلفة المحاكم. ويشير آخرون إلى مشكلة تتعلق بعدم ضرورة تنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم وخصوصا مسألة الشكات المرتجعة. ويلاحظ بأن بعض المؤسسات التجارية تتحاشى قبول الشيكات قدر المستطاع وذلك نظرا لوجود أزمة حقيقة في هذا الصدد. لا شك أنه لأمر غير مقبول أن نرى هذه الظاهرة في الوقت الذي تعتبر البحرين أهم مركز في المنطقة لتقديم الخدمات المالية. فالحكومة مطالبة بإقناع الناس بأن القوانين تطبق على الجميع من دون استثناء خصوصا وأن تاريخنا لا يشفع لنا لكونه ملئياً بالاستثناءات
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1420 - الأربعاء 26 يوليو 2006م الموافق 29 جمادى الآخرة 1427هـ