وجّه اليمن السعيد دعوةً مباركةً لعقد قمةٍ عربيةٍ طارئةٍ للتباحث بشأن لبنان، وبعد ربع ساعة سحبها من السوق! والمبرر جاهز: انها ستعمّق الانقسام السياسي بين الحكومات العربية، ولن تسفر عن أية نتائج إيجابية... فالجماعة غسلوا أيديهم من بعضهم بعضاً!
أما ما لم يكشفه الإعلام اليمني فقد كشفه الإعلام الإسرائيلي، من أن «الإلغاء» جاء بناءً على «أوامر» أصدرتها السيدة الفاضلة كونداليزا رايس، إلى العواصم العربية الكبرى، وهو ما فسّره الاسرائيليون على انه ضوءٌ أخضر عربي لمواصلة تدمير لبنان، بعد تقديم الغطاء العربي في بداية العدوان. بل إن «كوندي» تلقت تطمينات من هذه العواصم بعدم السماح بعقد قمة لبحث تداعيات العدوان، تحقيقاً للرغبة الأميركية بحرمان حزب الله من أي دعم عربي رسمي مهما كان صغيراً وتافهاً.
إذاً، ما نسمعه من الإعلام الرسمي شيء، وما يجري خلف الكواليس شيء آخر يدعو للخجل، فـ «يديعوت أحرونوت» كشفت أن الدول العربية التي عارضت عقد القمة طرحت مقترحات تلتقي مع أهداف «إسرائيل» المعلنة للحرب: انسحاب حزب الله عن الحدود ونزع سلاحه، إطلاق سراح الجنديين الإسرائيليين معزّزين مكرّمين، ونشر قوات دولية على الحدود. بل إن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية عاموس يادلين كشف ان الكثير من الدول العربية كان ينتظر اللحظة التي تنجح فيها «إسرائيل» في هزيمة قوى التطرف، ومن ضمن دورها في ذلك عدم بث رسائل للشارع العربي توحي بوجود تضامن عربي مع حزب الله ولو على نطاق ضيق. أما زميله حاييم رامون (وزير القضاء) فقال: «إن مصلحة الأنظمة تلتقي مع مصلحة (إسرائيل) في القضاء على مكامن التطرف: حزب الله وحماس». وتوقّع أن تؤدي تراجع حزب الله في هذه المعركة إلى اتساع نطاق التطبيع مع «إسرائيل».
طبعاً القمة لو عُقدت وحضرها كل الزعماء العرب، فلن تساوي قراراتها 50 فلساً، قيمة الحبر والورقة، فالنظام العربي في لحظته الراهنة لم يعد يعرف معنى للخجل أو يخاف الفضيحة. على هذه الخلفية السوداء، جاءت «كوندي» تحمل في يدها اليمنى «قنابل ذكية» للعدو لقتل اللبنانيين، وفي اليسرى شروطاً إسرائيلية هي موضع «إجماع» عربي رسمي!
جاءت رايس لتملي شروطاً، لا أن تسمع رأياً آخر، حتى وهي في بلدٍ يجري تدميره وقتل مواطنيه، لم تشر إلى وقف إطلاق النار ولو من باب المجاملة أو الكياسة، وإنما تحدثت كالمخمورة عن «شرق أوسط جديد»، ولتبشّرنا نحن أبناء المنطقة بالقول: «حان الوقت لنقول لمن لا يريدون شرق أوسط جديداً إن الغلبة لنا»!
هذا الجنون الأميركي، هذه البلاهة، هذه الصفاقة والوقاحة الأميركية، قابلها الفلسطينيون بإضرابٍ عامٍ في رام الله، بينما قابلها اللبنانيون بموقفٍ موحّد، وعلى مستوى الرئاسات الثلاث، وبالتالي فشلت في اختراق الإجماع اللبناني على رفض الشروط الإسرائيلية، ولم تجد لبضاعتها الكاسدة من يشتريها في بيروت. وعندما قابلت رئيس مجلس النواب نبيه بري، ألحت على وقف إطلاق الصواريخ وحماية أمن شمال «إسرائيل» باعتباره أولوية أميركية، أجابها: «اعذريني، فأنا لا أستطيع أن أساعدك... عندي 800 ألف لبناني في الشارع».
وللغافلين أو المغفّلين، ملتحين وغير ملتحين، إن مشروع كوندي الكبير، هو الذي سيلحق أفدح الأضرار بمصالح الشعوب والدول العربية معاً... لو كنتم تفهمون
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1419 - الثلثاء 25 يوليو 2006م الموافق 28 جمادى الآخرة 1427هـ