العدد 1419 - الثلثاء 25 يوليو 2006م الموافق 28 جمادى الآخرة 1427هـ

بيروت... مدينة التعايش والتحرر العالمي

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

نستطيع قول الكثير بحق بيروت كمدينة للتعايش بين مختلف مكوناتها المتعددة. نستطيع القيام بمقارنات كثيرة بين بيروت عاصمة لبنان وتل أبيب العاصمة الفعلية لـ «إسرائيل» قبل سنوات (القدس حالياً)، كنموذج لدورين متناقضين لكل من لبنان و«إسرائيل».

بيروت مدينة كوزموبوليتينة (عربية ومتوسطية، وعالمية) تجد فيها انعكاساً لمختلف الثقافات والحضارات وتعايشاً لاتباع الديانات الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية. ولمن لا يعرف فحي السلم هو حي يهودي وبه كنيس ولقد عرفت شخصياً مناضلين يهوداً لبنانيين مثل موريس سرور، قاتل في صفوف الثورة الفلسطينية، وأخته المخرجة السينمائية المرموقة هيني سرور التي أخرجت أفلاماً عن فلسطين ولبنان والخليج بتوجه تقدمي تحريري.

بيروت مدينة مسالمة لكيان مدني اسمه لبنان، أما تل أبيب فهي عاصمة لدولة قامت من خلال حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني، أجبرت غالبيته على الرحيل والتحول إلى لاجئين، واحتلت أرضهم وممتلاكاتهم عصابات أتت من مختلف آفاق العالم تحت راية إعادة دولة «إسرائيل» التي جاءت في التوراة.

تل أبيب عاصمة لكيان عنصري حربي، لبشر جمعتهم العقيدة الصهيونية العنصرية والحقد على العرب والآخرين. ليس من ثقافة أو حضارة تجمعهم.

تل أبيب بالتأكيد مدينة تجارية ومالية مزدهرة، لكن بلا روح، لذلك تنتشر في تل أبيب عصابات الرقيق الأبيض والمخدرات والدعارة. وبغض النظر عما يروج من روح التضامن اليهودي، فإن ذلك صحيح في أوساط اليهود المضطهدين سابقاً. لكنهم في «إسرائيل» غير ذلك. هناك تفاوتات كبيرة بل وتميز ما بين اليهود الاشكناز (الغربيين) والسفارديم (الشرقيين) فاليهود الغربيون هم في النصف الأعلى من السلم، هم رجال الأعمال، وهم رجال الدولة وهم القادة العسكريون والأمنيون، فيما اليهود الشرقيون في النصف الأسفل من السلم، فهم المزارعون والعمال، والجنود والفقراء.

لكن الظاهرة الاسوأ هي أن مئات الآلاف من اليهود الحقيقيين والمشرودين الذين توافدوا على «إسرائيل» بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك النظام الاشتراكي وسقوط الأنظمة الاشتراكية في أوروبا الشرقية، فقد وجدت عصابات الاجرام الاسرائيلية فرصتها الذهبية في عشرات النساء والفتيات القادمات من أوروبا الشرقية والمتلهفات لفتات الرأسمالية، ضالتها في اصطيادهن في شبكات الدعارة، فيما اصطادت الشباب المتلهف للمال في شبكات الإجرام والمخدرات.

لذلك فإن الكثير من السياح يذهبون إلى تل أبيب من أجل السياحة الجنسية وتعاطي المخدرات، كما تتدفق على تل أبيب الكثير من العاهرات خلال الصيف السياحي.

بيروت ليست مدينة ملائكة، وهي أيضاً قبلة السياح العرب، المحرومين من كثير من متع الحياة، ويجدون في بيروت المكان الذي يشبعون فيه رغباتهم لكنها مدينة متنوعة المتع، فهناك أيضاً المتع الثقافية والفنية وغيرها ليس في بيروت مافيات المخدرات والدعارة والجريمة المنظمة على غرار تل أبيب... بيروت شهدت انزلاقاً إلى الفوضى في غياب الدولة الضامنة للنظام والاستقرار، بعد اندلاع الحرب الأهلية في 1975 حتى بداية السلم الأهلي في 1989، خلال هذه الفترة سيطرت التنظيمات المسلحة على مختلف أحياء بيروت، وانقسمت بيروت إلى شرقية وغربية وداخل كل منهما مناطق نفوذ، وهذا أدى بدوره إلى نشاطات إجرامية ولا أخلاقية، لكنها لم تصل إلى حد المافيات.

بيروت على رغم كونها عاصمة لبلد صغير محدود القوة والنفوذ في السياسة الدولية. فإنها في الوقت ذاته كانت مركزاً لدعم حركات التحرر الوطني العربية وغيرها فقد استضافت ممثلي حركات التحرر من الخليج، والجزائر، والعراق، وأرتيريا. وكان القائد الوطني الشهير كمال جنلاط، من أبرز قادة التحرر وحركة التضامن الآسيوي الإفريقي واستضاف لبنان أكثر من مؤتمر وفعالية للتضامن، وكذلك اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا. أما تل أبيب فيعرف عنها أنها مركز تنسيق لمكافحة حركات التحرر العربية والعالمية والتأمر عليها مع الولايات المتحدة والكيان العنصري لجنوب إفريقيا. ودور «إسرائيل» في التآمر ضد الشعوب الإفريقية والآسيوية والأميركية اللاتينية معروف. لقد ساعدت جنوب إفريقيا في تطوير ترسانتها العسكرية، وأمدت الأنظمة الدكتاتورية بالأسلحة والخبرات الاستخبارية والأمنية.

بل إن جهاز الموساد كان ينشط بمعرفة وتعاون أجهزة الاستخبارات الغربية في اكثر من بلد لمكافحة الحركات الثورية في بلدانها، وتصفية القيادات الفلسطينية والعربية المساندة لها.

ليست بيروت عاصمة مثالية وليست كلها فضائل بل فيها رذائل، لكن «إسرائيل» تعمدت دائماً المسارعة إلى تدمير بيروت كلما نهضت وتخريب بيروت، وبث الفرقة بين أبناء بيروت، وإذكاء الطائفية، وإقامة شبكات اغتيال وتخريب تدار من قبل الموساد وفي بيروت. هل ننسى جريمة تدمير مبنى الويست هاوس أقدم مبنى في الجامعة الأميركية في بيروت، ومقر إدارتها من قبل عملاء الموساد، لتدمير معلم حضاري بارز.

تل أبيب مدينة إسرائيلية وبالتأكيد فيها الكثير من الناس الطيبين والكادحين والمخدوعين، لكنها وكأي مدينة إسرائيلية محكومة بالعقيدة العنصرية الصهيونية وكونها عاصمة المال والأعمال، فإن أسوأ نتاجات الصهيونية تتجلى فيها

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1419 - الثلثاء 25 يوليو 2006م الموافق 28 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً