قدر الشرق الأوسط بما يضمه من شعوب ودول عربية وغير عربية أن يتحول ضحاياه وحتى جلادوه إلى لعبة سياسية ترفع أو تقلل من شعبية الرؤساء والقادة في العالم الغربي.
لقد أثبت مسار الحوادث السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط وخصوصاً منه في العراق ولبنان أن مستقبل المنطقة يحدده الرأي العام في الدول الغربية ابتداء من أميركا وصولاً إلى فرنسا وبريطانيا، أي أن صورة ومستقبل هذه المنطقة تمليه شعوب أخرى غير شعوبها.
فبوش مثلاً كان من المستبعد أن يقف هذا الموقف المساند للعدوان الإسرائيلي على لبنان شعباً وبنية تحتية لو لم يكن يطمح إلى كسب الرأي العام الأميركي الذي بدأ يرفض سياساته ويهدد حزبه (الجمهوري) بالانتخابات النصفية المقبلة. وعلى الجانب الآخر من الاطلسي تعودت شعوب المنطقة أن ترى الرئيس الفرنسي جاك شيراك يقف بالضد من سياسات بوش، ولاسيما في التعامل مع الملف العراقي.
فبوش - الذي فقد شعبيته بشكل واسع منذ سقوطه في المستنقع العراقي - بالتأكيد يحاول الآن أن يعوض شعبيته بموقف متشدد من حزب الله ليدعم استمرار العدوان الإسرائيلي على المدنيين والبنى التحتية في لبنان.
أما الرئيس الفرنسي جاك شيراك فاعتمد على موقف يعد (بالنسبة إلى المجتمع العربي والإسلامي) أفضل بكثير من موقف نظيره بوش، عندما طالب بإنهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان، وهو موقف (حسب استطلاع أجراه معهد ايفوب) انعكس بشكل سريع على رأي الشارع الفرنسي. إذ ارتفعت شعبية شيراك لأول مرة منذ شهور، ووصلت إلى 38 في المئة في يوليو/ تموز الجاري، مقابل 27 في المئة في شهر يونيو/ حزيران الماضي، وهي حسب الصحيفة التي نشرت الاستطلاع كانت نسبة تعد أدنى مستوى وصل إليه رئيس جمهورية فرنسي منذ العام 1958.
أما بالنسبة إلى بوش فإن الصحافة الأميركية لم تربط حتى الآن بين شعبيته وموقفه من العدوان الإسرائيلي على لبنان، لكن المعروف في الغرب وخصوصاً منه أميركا أن الرؤساء لا يجرؤون كثيراً على اتخاذ مواقف قد تضر بمستوى شعبيتهم وخصوصاً مع اقتراب أية انتخابات.
إن مؤشر ارتفاع شعبية شيراك عندما وقف مع ضحايا لبنان (بنسبة 11 في المئة) يعد مهماً لمعرفة طريقة تفكير المجتمع الفرنسي الذي اشتهر بمواقفه الداعمة للقضايا العربية خلال العقود الماضية، كما أن بوش الذي يعوّل على ارتفاع شعبيته في الوقوف مع العدوان الإسرائيلي يعد مؤشراً أكثر خطورة من موقف الشعب الفرنسي، إذ يعطي موقفه مؤشراً لما يطلبه المجتمع الأميركي، وهو الوقوف مع كل أنواع العدوان الإسرائيلي، حتى وإن أدى هذا العدوان إلى سقوط مئات القتلى ودمّر بنية تحتية لبلد راسخ في الديمقراطية مثل لبنان
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 1418 - الإثنين 24 يوليو 2006م الموافق 27 جمادى الآخرة 1427هـ