يبدو المشهد اليومي على مدخل الحدود السورية في جديدة يابوس مختلفاً عما كان عليه الحال قبل بدء العدوان الاسرائيلي على لبنان. ففي هذه النقطة التي تصل لبنان مع سورية عبر منطقة البقاع مروراً بشتورا، هناك إجراءات مبسطة بشأن دخول اللبنانيين إلى سورية، والأمر في هذا يشمل القادمين الآخرين من لبنان أيضاً، والسمة العامة هي تسهيل عمليات الدخول، والسماح للعابرين بتمرير كل ما يحملونه معهم من أمتعة واحتياجات، وهو أمر يتبعه استقبال من جانب متطوعين سوريين يقدمون للقادمين مساعدات أولية، ويعرضون خدماتهم، التي تشمل عناوين وهواتف أسر سورية ترغب في أن تستضيف أسراً لبنانية ممن شردهم العدوان الاسرائيلي.
وصورة ما يحصل على نقطة الحدود السورية - اللبنانية يمثل صورة مختلفة عما كان يحدث في هذه النقطة منذ أن تردّت العلاقات السورية - اللبنانية في أعقاب اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري منتصف فبراير/ شباط 2005، والتي صدرت بصددها إشارات إلى دور سوري فيها، ثم تصاعد الأمر بعد انسحاب الجيش والمخابرات السورية من لبنان بعدها بشهرين، وكان من تعبيرات التردي في العلاقات السورية على معبر جديدة يابوس رفع رسوم مرور السوريين إلى لبنان، وتكرار عمليات تحشد الشاحنات القادمة من لبنان، ومنع العابرين من نقطة الحدود تلك من حمل أية بضائع أو سلع قادمة من لبنان بما فيها الأدوية، وهو أمر ينطبق على السوريين واللبنانيين كلهم.
وكانت تلك السياسات بين أسباب أدت إلى تحرك مثقفين سوريين ولبنانيين للبحث عن مخرج يعيد ترتيب العلاقات السورية - اللبنانية على أسس جديدة، وهو أمر عبر عنه إعلان بيروت - دمشق الذي وقعه سوريون ولبنانيون في مايو/ أيار الماضي، وقوبل باعتراضات حادة من جانب السلطات السورية، إذ جرى اعتقال عشرة من مثقفين ونشطاء المجتمع، وجرت متابعة أمنية لآخرين وسط حملة تشهير بالبيان والموقعين عليه.
غير أن التطورات التي صاحبت العدوان الإسرائيلي، دفعت السلطات السورية إلى إحداث تغييرات في نظرتها إلى العلاقات السورية - اللبنانية، وكان فتح الحدود وإفساح المجال لمرور ما يقدر عدده بأكثر من مئة ألف لبناني إلى سورية، وإطلاق حملات رسمية وشعبية لمساعدة اللبنانيين لمواجهة تداعيات العدوان، وكلها خطوات قريبة ومتوافقة مع مواقف الداعين إلى تصحيح العلاقات بين البلدين وإعادة بنائها على أسس قوية وراسخة، تتجاوز ما خلفته المرحلة السابقة من ترديات.
غير أن التحول الرسمي السوري في الانفتاح على اللبنانيين، مازالت تشوبه آثار الاختلافات السياسية التي اندلعت في الفترة السابقة بين سورية ومعارضيها في لبنان، إذ يجري التركيز على حلفاء سورية في لبنان وخصوصاً حزب الله وزعيمه حسن نصر الله الذي ترتفع صوره بشكل عادي على السيارات وعلى واجهات بعض المحال التجارية في دمشق ومناطق سورية أخرى، فيما يستمر غمز سوري وخصوصاً في وسائل الأعلام بشأن خصوم سورية في لبنان من «جماعة 14 آذار» ولاسيما تيار المستقبل الذي يتزعمه سعد الحريري والحزب التقدمي الذي يرأسه وليد جنبلاط.
وخارج هذه التفاصيل الرسمية، فقد بدا الشارع السوري شبه موحد في مواجهة العدوان الذي يتعرض له لبنان، وباستثناء النشاط الملموس الذي يقوم به متطوعون من جماعات أهلية ومدنية برعاية رسمية لمساعدة اللبنانيين القادمين إلى سورية، فقد أصدرت الجماعات السورية بيانات ضد العدوان ونداءات لوقفه على نحو ما تضمنه البيان الصادر عن تحالف إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي الذي يضم الكتلة الأوسع من جماعات المعارضة السورية وشخصياتها وفعالياتها الاجتماعية، إذ حيا صمود الشعب اللبناني، وأكد «حقه في حماية كيانه كدولة ونظام»، ودعا «جميع القوى الحية فيه لتبقى صفاً واحداً للدفاع عن الوطن اللبناني»، معتبراً «أن هذه المعركة تتطلب الوحدة في الموقف، والخروج منها بلبنان موحد كشعب ودولة وحكومة بعيداً عن أية وصاية خارجية»، داعياً «الشعب السوري إلى التضامن الواسع مع شقيقه الشعب اللبناني وتقديم مختلف أشكال الدعم السياسي والمادي والمعنوي»، و«توجه إلى الدول والقوى الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني في العالم، للقيام بدورها من أجل الوقف الفوري للعدوان، والبحث في الحلول السياسية والدبلوماسية»، وقد ذهبت بيانات الجماعات المدنية والحقوقية السورية في الاتجاه نفسه.
إن تطورات إيجابية تفرض نفسها على العلاقات السورية - اللبنانية في ضوء العدوان الاسرائيلي على لبنان، وهو مسار طبيعي بين بلدين وشعبين بينهما كثير من المشتركات، كما بينهما كثير من طموحات المستقبل التي تتجاوز الاختلافات السياسية أو التدخلات، كما تتجاوز الحوادث الطارئة على رغم خطورة بعضها
العدد 1418 - الإثنين 24 يوليو 2006م الموافق 27 جمادى الآخرة 1427هـ