بأي من الآراء يذهب إلى أن مفتاح الأزمة يحمله النظام السياسي في إيران، لا ينزلق هذا الرأي خلف حماقات بعض التحليلات الرائجة هنا من بعض الكتاب، لكنه يمعن في مقاربة الوضع الإقليمي برؤية أشمل وأكثر تفحصاً ومتابعة.
الإيرانيون يستطيعون فعلياً أن يكونوا رقم السلام في لبنان وسورية وجزئياً في العراق، وهم اليوم أصبحوا في أجندة السياسة الأميركية - التي وفرت الغطاء لهذه الحرب الدائرة - معادلة لابد من حلها بأي طريقة كانت.
من جهة أخرى، صعد الإسرائيليون في صحفهم خلال اليومين الماضيين من انتقاداتهم للحرب الدائرة في الشمال، والغالبية كانت متفقة على عبارة صريحة مفادها «نحن في حربنا مع حزب الله نخوض حرباً مسخاً لحرب أخرى بين يخاف طرفاها من الولوج فيها، وهما الولايات المتحدة وإيران، ولا يمكن أن تكون (إسرائيل) ضحية مصالح أميركية».
الإسرائيليون باتوا يدركون تماماً استحالة الوصول إلى نتيجة نهائية في حربهم مع حزب الله، وإن استمرت العمليات العسكرية في جنوب لبنان وصولاً إلى السيطرة على شريط فاصل بين البلدين بعرض 20 كلم، فإن «إسرائيل» لا تقوم بأي شيء جديد سوى أنها ترمي بنفسها في «وحل» لبنان، والذي يتذكره الشعب اليهودي جيداً.
الإيرانيون، الذين رهنوا تدخلهم العسكري بالدفاع عن سورية ورطوا حزب الله في حرب لا قدرة له عليها. وها هم اليوم يحاربون «إسرائيل» لآخر متطوع في حزب الله!
نعم. نعلم جميعاً أن حزب الله يستطيع أن يبقى صامداً بعد هذه الحرب، وأن تبقى قوته السياسية فاعلة بأي شكل ما في داخل الساحة اللبنانية، بشرط بقاء «نصرالله» حياً يرزق. فإن نال الإسرائيليون منه فإن قائمة «الانتقام» ستكون طويلة جداً، سواء في الداخل اللبناني أو خارجه. وهذا يجعل الثمن الذي يدفعه اللبنانيون اليوم ثقيلاً، ولا ناقة لهم فيه ولا جمل، وليس الإسرائيليون بأحسن حال منهم.
النقودات الإسرائيلية مضاف إليها قراءة الاستراتيجي الأميركي Anthony H. ordesman، والتي تفضي إلى أن شيئاً لن يتغير في المنطقة، تشير إلى أننا أمام مأساة إنسانية وعدوان إسرائيلي لا يعرف الرحمة، ولمصلحة من؟
أستطيع أن أتفهم أن التحالف الاستراتيجي بين حزب الله وإيران وجه دائماً ضد «إسرائيل»، وأستطيع أن أتلمس تلك المبررات التي تجعل حزب الله مقتنعا بضرورة استمرار هذا التحالف مع الإيرانيين اليوم وغداً، لكن الذي يتضح من وراء الأخبار، هو أن إيران تؤجل قرار حسمها في ملفها النووي على حساب حليفها في لبنان حزب الله، تخوض معركة مع الولايات المتحدة في لبنان، إلا أن جندياً أميركياً أو إيرانياً لم يموتا حتى الآن.
الإيرانيون يدركون تمام الإدراك أن حلاً للأزمة يمكن أن يخرج من طهران، وهم يدركون أن الحل لا يكمن في استمرار بعض رموزها في التبجح بأن تحزم «إسرائيل» حقائبها وترحل، بل بعقلانية تستطيع إيران من خلالها أن تعيد وهجها الإقليمي إلى المنطقة، وبرضى وتأييد من المجتمع الدولي الذي بات يحاصرها.
على الإيرانيين أن يدركوا أنهم الجزء الأكثر أهمية في هذه المعركة الدائرة في جنوب لبنان، وعليهم أن يسهموا في تخليص لبنان من نكبته، والطريق إلى ذلك يكمن في الرد الإيراني على العرض الدولي لها بخصوص ملفها النووي رحمة بحزب الله حليفها أولا، وبلبنان كله ثانياً
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1418 - الإثنين 24 يوليو 2006م الموافق 27 جمادى الآخرة 1427هـ