عندما وصلت وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس (السيدة النحيفة) إلى بيروت يوم أمس، بعد تدمير لبنان على يد المدللة «إسرائيل»، بدأ العالم ينصت لسماع الأغنية التي ستنطلق معلنة بدء عهد «الشرق الأوسط الجديد». البعض راهن على أغنية رايس قبل ان تبدأ بإعلانها، وهذا البعض كان من المشككين في الأغنية السابقة التي أطلقها الرئيس الاميركي جورج بوش، قبل ثلاث سنوات، بعد احتلال العراق وسماه بـ «الشرق الأوسط الكبير».

بين الأغنيتين فروقات جوهرية... فأغنية «الشرق الأوسط الكبير» بشرت العرب ببزوغ فجر الديمقراطية، وتناولت الإدارة الأميركية - لأول مرة - حلفاءها التقليديين في المنطقة بالانتقاد الجارح لأنهم لم يطبقوا الديمقراطية. ولم تسلم مصر أو السعودية من ذلك الانتقاد في 2003 وتوجهت الانظار حينها إلى مبعوثي الإدارة الأميركية إلى المنطقة الذين قدموا اليها ورددوا أغنية «الشرق الأوسط الكبير».

صاحب الأغنية (جورج بوش) لم يحصل على تأييد من أكثرية الأطراف المستهدفة، واضطر في منتصف العام 2004، أثناء اجتماع قادة الدول الثماني في «سي آيلاند» بالولايات المتحدة الأميركية إلى أن يعرض نص الأغنية عليهم طالباً منهم المشاركة في الحفلة الموسيقية... وافقت مجموعة الدول الثماني على ذلك شريطة تغيير اسم الأغنية إلى «الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا»، واقترحت تلك القمة إنشاء «منتدى المستقبل» لكي يقوم هؤلاء القادة بتعليم قادة وشعوب دول الشرق الأوسط كيفية ترديد الأغنية الجميلة التي تقول إن الأوان قد آن لنشر الديمقراطية وحقوق الانسان في بلاد لم تعرف معنى الاستقرار بسبب غياب هذه المفاهيم والممارسات.

حفلات الطرب ازدادت، وتوسع «منتدى المستقبل» وتتأسست له منتديات موازية للمجتمع المدني ولرواد الاعمال ولتمكين المرأة وللصحافة ولرجال الدين... المنتدى الاقتصادي العالمي (منتدى دافوس) دخل على الخط وبدأ يدفع باتجاه تحقيق الأماني الجميلة لأغنية «الشرق الأوسط الكبير». حلف شمال الأطلسي (الناتو) بادر إلى المناصرة وأعلن «مبادرة اسطنبول» من أجل تقديم الخدمات العسكرية والأمنية والخبرات المتطورة للدول التي توافق على ترديد أغنية «الشرق الأوسط الكبير».

صاحب الأغنية قال أيضاً إنه سيربط أميركا بدول «الشرق الأوسط الكبير» اقتصادياً من خلال اتفاقات للتجارة الحرة مع كل دولة على حدة، على أمل تكوين سوق أميركية - شرق أوسطية ضمن اتفاق عام للتجارة الحرة مع حلول العام 2013، وهذه ستكون رديفة للديمقراطية التي ستنتشر في هذا «الشرق الأوسط الكبير».

غير أن الحفلات الصاخبة عكر عليها تدهور الأوضاع في عدد من مناطق «الشرق الأوسط الكبير» الذي يشمل كل الدول العربية بالإضافة إلى «اسرئيل» وإيران وباكستان وأفغانستان. أما تركيا فقد رفضت ان تكون ضمن شرق أوسطنا بكل أنواعه، وأعلنت انها أصبحت أوروبية حتى لو رفضها الاتحاد الأوروبي. أفغانستان مازالت في حرب غير صامتة بين الأميركان وطالبان والقاعدة، والعراق وما أدراك ما العراق؟ والصومال تحول إلى مناطق متناحرة، والسودان مهدد في سيادته وتقطيع أوصاله، ومن ثم فلسطين التي لم تشبع «إسرائيل» من نهبها وتعميق مآسيها.

فجأة، وإذا بـ «إسرائيل»، وهي معشوقة صاحب أغنية «الشرق الأوسط الكبير»، تقرر أن تدخل حرباً مدمرة في غزة (25 يونيو/ حزيران الماضي)، وفي لبنان (12 يوليو / تموز الجاري)... وفجأة أيضاً اختفت أغنية «الشرق الأوسط الكبير»، لتظهر أغنية جديدة على أنغام القنابل الإسرائيلية، أطلقتها السيدة النحيفة كوندليزا رايس باسم «الشرق الأوسط الجديد». الأغنية عرضت أيضاً على قمة أخرى لمجموعة الدول الثماني التي كانت تجتمع في العاصمة الروسية (موسكو) بينما كانت «إسرائيل» تحطم بنية لبنان التحتية وتقتل المدنيين.

ولكن ما هو جديد للسيدة النحيفة ليس بجديد لشعوب الشرق الأوسط القديم... فافكارها الجديدة هي الافكار القديمة التي تتحدث عن مركزية «إسرائيل» في الشرق الأوسط، وهيمنة «إسرائيل» عسكرياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً وعلمياً على كل شعوب الشرق الأوسط، وأن الولايات المتحدة الأميركية ستفسح المجال لمعشوقتها المدللة «إسرائيل» لتفعل ما تشاء من أجل خلق «الجديد» من الدمار والكوارث على بلدان الشرق الأوسط القديم.

ليس لدينا شك في أن السيدة النحيفة تغني بصوت أكثر وضوحاً من رئيسها جورج بوش، وليس لدينا شك في ذكائها وقدراتها التي اوصلتها إلى واحد من أهم المواقع السياسية في حكومة أقوى قوة فوق الأرض... ولكن لدينا شك في أنها ستخلق لنا «شرق أوسط جديد»