العدد 1417 - الأحد 23 يوليو 2006م الموافق 26 جمادى الآخرة 1427هـ

حسابات الربح والخسارة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

لليوم الثالث عشر على التوالي استمرت حرب الدمار الشامل على لبنان تحت سقف القرار 1559 التي تقودها «إسرائيل» نيابة عن الولايات المتحدة. وتحت هذا السقف أخذت التجاذبات الدولية والإقليمية تزعزع أركان الكيان السياسي (الجمهورية). وفي حال استمرت سياسة التقويض للدولة والمقاومة على السواء فهناك احتمالات ترجح خلخلة النظام العام وتفكيك البنية السكانية وشرذمتها على مناطق ودوائر يقودها أمراء طوائف واحياء يديرون شئونها في إطار ضيق.

هذا الاحتمال ليس سراً وانما محاولة توصيف لواقع لبناني منقسم أهلياً بدأ يرسم تلك الحدود الفاصلة بين منطق الدولة ومنطق المقاومة. الدولة عملياً تقوضت منذ الأيام الأولى للعدوان التدميري وتحولت إلى هيئة إغاثة مشلولة الإرادة لا تملك القرار السياسي ولا تتحكم بفوهات المدافع والصواريخ. وبسبب هذا العجز الواقعي بدأت الحكومة تلعب دور الوسيط بين المقاومة والدول الكبرى والهيئات الدولية.

المقاومة في المقابل لاتزال صامدة في مكانها تطلق الصواريخ إلى العمق الإسرائيلي وتتصدى للدبابات والآليات التي تحاول التغلغل أو اختراق الأراضي اللبنانية. وفي هذا المعنى تجد المقاومة نفسها في موقع الأقوى في المعادلة بينما «الدولة» المقوضة تجد نفسها في موقع الأضعف. والاحساس بالضعف يعود إلى حسابات الربح والخسارة ورؤية تلك الأرقام عند إجراء المقارنة.

حسابات الدولة عادة بسيطة تقوم على فكرة المساحة الحجرية التي حطمت (جسور، طرقات، انفاق، مطارات، موانئ، مستشفيات، محطات وقود، معامل، مولدات كهرباء، حفارات مياه، معاهد، مدارس، محطات نقل، بيوت، قرى، احياء مدن، مؤسسات، مشاغل... إلى آخر السلسلة). وتضيف إليها تلك المساحات المالية (النقد، قوة الليرة، موسم السياحة والاصطياف، التحويلات المصرفية، الاحتياط النقدي بالعملات الصعبة، كلفة إعادة الإعمار، الديون، الاستثمار، الموارد البشرية، التبرعات، المساعدات، القروض، الهبات، عودة الهدوء والثقة، الورش، الإنشاءات... إلى آخر السلسلة).

وتضيف الدولة إلى المساحتين الحجرية (الاسمنتية) والاقتصادية (الواردات والصادرات) المساحة البشرية (الكلفة الإنسانية) وهي تشمل عدد القتلى والجرحى والنازحين والمشردين وتأمين الملاجئ والمساكن والخيم والمجمعات والأدوية والأغذية والبطانيات والسواتر والملابس والنظافة ورفع النفايات والمحافظة على البيئة الصحية لمنع انتشار الأمراض والأوبئة وتأمين طرقات وموانئ وممرات بحرية لنقل المؤن والمساعدات... إلى آخر السلسلة.

هذه هي حسابات ما تبقى من دولة. وضمن منطق الدولة وحساباتها أعلن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة (وزير مالية سابق) منذ اليوم الرابع للعدوان لبنان دولة منكوبة حين أقفلت الطرقات والموانئ والمطارات ونزح قرابة نصف مليون لبناني من مناطق الجنوب (يقال إن العدد ارتفع إلى نحو المليون في اليوم الثاني عشر).

ضمن هذه الحسابات قرأت «الدولة» المقوضة الحرب الجارية على لبنان ووجدت بعد قراءة أرقام الربح والخسارة أن هناك نكبة جديدة حلت في بلد عربي تضاف إلى نكبتين سابقتين: فلسطين والعراق، هذا إذا استبعد الصومال من اللائحة.

منطق «الدولة» يتجه عموماً إلى إعلان الافلاس العام وعدم القدرة على استكمال المواجهة تحت سقف مفتوح على أزمة مستمرة يستبعد أن يتم التوصل إلى حل سياسي لها. فالحل السياسي مؤجل أو يتطلب فترة طويلة للتوافق على شروطه حتى في حال توصلت القوى الدولية والمعنية إلى وقف إطلاق النار ولجم العدوان الأميركي - الصهيوني.

يقابل «الدولة» المشلولة والمقوضة منطق آخر تقول به المقاومة. منطق المقاومة آتٍ من عالم مختلف لا يتصل بالأرقام البسيطة ولا يقرأ الربح والخسارة في إطار ميزان البشر والحجر. منطق المقاومة يعتمد الحسابات المركبة من مجموعة عناصر رمزية ومعنوية لا علاقة لها بالماديات. لذلك اختلفت أرقام الدولة عن أرقام المقاومة. الدولة تعد الربح والخسارة بحسابات المال بينما تعد المقاومة الربح والخسارة بحسابات الصواريخ مقابل الطلعات الجوية (أطلقنا 2300 صاروخ مقابل 2300 طلعة جوية). «إسرائيل» خرّبت موسم السياحة وضربت الجسور والموانئ والمعامل والمدن والحقت خسائر هائلة بالاقتصاد والمباني والأرواح وشردت الناس من قراهم. أيضاً خرّبت صواريخ المقاومة موسم السياحة في «إسرائيل» وضربت الطرقات والموانئ والمعامل والمدن والمستعمرات والمستوطنات والحقت خسائر هائلة بالبورصة والإنتاج والمباني وشردت المستوطنين من القرى المحتلة وشمال فلسطين والجولان وطبريا.

منطق المقاومة مخالف ومضاد في طبيعته لمنطق الدولة. فالمقاومة ترى حتى الآن وضمن موازين الربح والخسارة الكلية أنها انتصرت أو على قاب قوسين من الانتصار. وترى أيضاً أن «إسرائيل» وقعت في أزمة وهي الآن في حال من التخبط لا تعرف ماذا تريد وماذا تفعل؟ وبدأت تفقد شيئاً فشيئاً زمام المبادرة. فالحكومة الإسرائيلية تورطت برأي المقاومة وهي تبحث الآن عن حل ينقذها من المشكلة التي استسهلت معالجتها واكتشفت أنها صعبة وتحتاج إلى مساعدة دولية تضاف إلى المساعدات الأميركية لإخراجها من الفخ الذي سقطت فيه ولا تدري كيف تخرج منه بأقل الكوارث الممكنة.

هذا هو منطق المقاومة ويبدو أن «الدولة» لا تفهمه ولا تدرك معانيه والغازه. فالدولة أعلنت نكبتها وهي على خطوات من إعلان افلاسها. والمقاومة على شفير إعلان انتصارها.

إعلان الانتصار كما يبدو بات قريباً. هذا على الأقل بشر به «جنرال» لبناني متقاعد من على شاشة فضائية محلية. فالجنرال قال ضمن حسابات الصواريخ مقابل الطلعات الجوية أن المقاومة ستنتصر خلال الساعات القليلة المقبلة. «جنرال» لبناني متقاعد آخر كان على الخط المباشر في الحوار التلفزيوني استبعد هذا الأمر ورأى في مسألة الساعات مبالغة عاطفية غير مدروسة ومحسوبة، ورجح أن الانتصار سيكون (أو يعلن) في الأيام المقبلة. فالمسألة برأيه تحتاج إلى أيام وليس ساعات. «جنرال» لبناني آخر (ومتقاعد أيضاً) كان كما يبدو أكثر واقعية في حسابات الربح والخسارة وعدد الصواريخ والطلعات الجوية... ورأى أن المسألة ستأخذ عدة أسابيع واعترض على فكرة الساعات والأيام. وجاء «جنرال» لبناني رابع (متقاعد أيضاً) على محطة أخرى ليشرح بعض الصعوبات في الموازين العسكرية والتوازن الاستراتيجي بين لبنان و«إسرائيل» وتوقع أن تمتد المواجهة إلى موسم السياحة والاصطياف المقبل (يوليو 2007). وأوضح قوله إنه خير للبنان أن يخسر موسماً أو موسمين من السياحة والاصطياف مقابل أن يكسب مستقبله مرة واحدة وإلى الابد.

إنها إذاً معركة المستقبل. والمستقبل كما هو واضح من اختلاف المنطقين (الدولة والمقاومة) يبدو أنه من الصعب أن يلتقي على خط واحد في حسابات الربح والخسارة. فالدولة في حال أوقفت أميركا العدوان ستعلن كما هو مرجح وفي حال بقيت واقفة على الأرض... النكبة. والمقاومة في حال أوقف إطلاق النار ستعلن كما هو مرجح... الانتصار. وبين منطق النكبة ومنطق الانتصار يرجح أن تعلن مجادلة «رياضية» داخلية لمعرفة الصحيح في الأرقام وكيف تستخرج المعادلة الدقيقة من حسابات الربح والخسارة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1417 - الأحد 23 يوليو 2006م الموافق 26 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً