العدد 1416 - السبت 22 يوليو 2006م الموافق 25 جمادى الآخرة 1427هـ

شريك في الصمود... وفي الخسائر

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

أي صمود وأي شجاعة تلك التي يتحلى بها اللبناني، حتى يستقبل عدسة كاميرا التلفزيون باسماً والصواريخ تقصف وطنه، ليقول «بيتي ودكاني وأهلي فداء للمقاومة»، يقولها وهو سعيد، لم يجبره أحد على قولها، ولا يبتغي من قولها مساعدة أو احتراماً أو حتى كلمة شكر.

أجمل ما نراه في نشرات الأخبار التي تنقلها شاشات التلفزيون هذه الأيام (إن كانت كلمة أجمل مناسبة) هي تلك الصور الحية لأهل لبنان الذين أخرجهم القصف الإسرائيلي من منازلهم، لكنه لم يخرج منهم الصلابة، فصاروا يتحدثون بكل قوة وتفاؤل، حديثاً يشي بالشموخ والعزة.

ووسط النيران والدمار، تقف المرأة اللبنانية بكل شجاعة الدنيا لتردد العبارات نفسها، لا تهتم لما خسرته، ولما ستخسره من أموال أو حتى أرواح، لتعلن أنها صامدة صمود لبنان، حتى النهاية.

وتتكرر الصور، لتنقل لنا مشاهد النساء اللبنانيات في الملاجئ، يحملن أبناءهن على أكتافهن، بعد أن تهدمت بيوتهن وفقدن كل ما يملكن في هذه الدنيا، حتى أزواجهن أو أبنائهن أحياناً، لكنهن لم يترددن في التأكيد على اشتراكهن الطبيعي في صنع كرامة الشعب، ليرددن «أرواحنا ودماؤنا فداء للمقاومة».

لقد أشركهن العدو الإسرائيلي في الحرب رغماً عنهن، متجاهلاً كعادته دوماً أي أخلاق أو قوانين دولية تمنع الهجوم على المدنيين العزل، وعلى النساء والأطفال تحديداً، ولم يكن لديهن من سلاح إلا الصبر والصمود، جنباً إلى جنب مع الرجال، فالحرب دائرة على الجميع.

في العصور القديمة، كانت قواعد الحرب تحترم، حتى لو لم تكن مكتوبة في معاهدات أو قوانين دولية، فإن أعلنت الحرب بين طرفين، اتخذا لنفسيهما مكاناً معزولاً بعيداً عن مساكنهم، والأهم بعيداً عن النساء والأطفال، الفئات الأضعف في لغة الحرب التي تساوي القوة الجسدية. ويحترم كلا الطرفين هذه القاعدة، ويلتقيان في ذلك الموقع المعزول المقرر للحرب، حتى تضع الحرب أوزارها، و يتضح الرابح من الخاسر، ليحصد الرابح الغنائم، ويستجيب الخاسر لمطالب خصمه.

أما في العصر الحديث وزمن التكنولوجيا الذي يسعى فيه الجميع إلى تطبيق واحترام القوانين، فلا قوانين للحرب إلا قوانين القوة، حتى لو كان المدنيون العزل هم الضحية. فلم يعد يلتقي الجمعان في موقع معزول، بل صارت مواقع المعارك هي قلب الأحياء السكنية، وأهداف الصواريخ والقنابل هي المدنيين، من نساء وأطفال وشيوخ، فكيف يمكننا بعد ذلك أن نفرق بين رجال ونساء وأطفال، والعدو لا يفرق بينهم أصلاً، معتبراً إياهم شعباً وجبت إبادته.

لا يمكننا أن نفصل إذاً صمود المرأة اللبنانية عن صمود الشعب اللبناني بأسره، فقد عاشت هذه المرأة دوماً في السياسة حتى تشبعتها، وجربت الحرب وتعودت على الهجوم، حتى نسيت ربما أنها امرأة يحميها قانون دولي لا يفعّل، وفضلت أن تكون شريكاً في الصمود، مثلما هي شريك في الخسائر.

في تلك الملاجئ البيروتية المتواضعة، إذ الأطفال الجياع، والمدنيون العزل، والنساء الصامدات، في تلك الملاجئ، اتضحت الصورة جلياً، فهناك عدو لا رحمة لديه، وهناك ضحية، لم يعد للتحليلات والتنبؤات السياسية أي موقع، فالواقع أبلغ من أي تحليل، هناك عدو يريد القضاء على الضحية، فإما المقاومة، وإما الهوان والموت

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 1416 - السبت 22 يوليو 2006م الموافق 25 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً