العدد 1416 - السبت 22 يوليو 2006م الموافق 25 جمادى الآخرة 1427هـ

العلاقة بين إيران ومعركة «تقرير مصير» لبنان

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

ثمة مساعٍ وجهود إعلامية ودبلوماسية وسياسية ونفسية مكثفة تبذل على أكثر من صعيد لاظهار العملية العسكرية النوعية التي قام بها حزب الله لبنان من خلال ذراعه العسكري المعروف بالمقاومة الإسلامية، على أنها لصالح إيران ولحساب ملفها النووي توقيتاً وتكتيكاً!

وبالتالي اعتبار الحرب الجهنمية المندلعة ثانياً ضد لبنان على أنها حرب إسرائيلية إيرانية!

وعليه فإن ما يقوم به حزب الله انما هو خوض حرب بـ «الوكالة» عن إيران تدعمه في ذلك سورية التي تتقاطع مصالحها مع هذه الحرب، وانه لا أصالة ولا مصالح لبنانية في هذه المواجهة المغامرة!

لكن المتتبع المطلع على بعض خفايا الحروب السرية التي كانت ولاتزال تحضر لقوى الممانعة والمقاومة للمشروع الأميركي الإسرائيلي الكبير في المنطقة لا يمكنه إلا أن يضع علامة تعجب كبيرة على مثل هذا التحليل!

نعم قد يكون هناك تداخل كبير بين ما يجري في لبنان وفلسطين والعراق وحتى أفغانستان وطبعاً ما يحضر لسورية، وبين ما يحضر من معركة كبرى إلى إيران من جانب الامبراطوريين الجدد في الإدارة الأميركية. وهو ما لا ينكره منظرو المحافظين الجدد القابضين على السياسة الأميركية الشرق أوسطية على الأقل. لا بل انهم هبوا للتصريح أكثر من مرة بأن ما نخوضه من معارك في كل من العراق وأفغانستان إنما هو للسيطرة على الحال الإيرانية - راجع تصريحات رامسفيلد المتكررة بهذا الشأن - لا بل انهم يذهبون إلى أبعد من ذلك عندما يخطئون أصحاب قرار غزو العراق المبكر ويقولون إن المعركة الأولى التي كان يجب ان تفتح كان يجب خوضها ضد إيران أولاً - راجع تصريحات بايبس وباقي شلة المنظرين من المحافظين الجدد - هذا ناهيك عن التصريحات الرسمية التي لطالما كررتها وزيرة الخارجية الأميركية وأركان دبلوماسيتها يوصف إيران بـ «المصرف المركزي للإرهاب»!

ولكن على رغم ذلك كله فإن أي مطلع على ألف باء مشكلات الشرق الأوسط سرعان ما يستطيع التسجيل بأن المشكلة الكبرى التي يعاني منها التطلع الامبراطوري الأميركي الهيمني على العالم انطلاقاً من السيطرة الضرورية على موارده الغنية المتركزة في بلاد العرب والمسلمين، انما هي في عجزه وفشله في ايجاد الحل المناسب للقضية المركزية وأم المشكلات الا وهي القضية الفلسطينية. وبلغة التبسيط السياسي ضمان أمن الدولة الإسرائيلية المزروعة في بيئة غير بيئتها التي تحمل مهمة يصعب تحقيقها الا وهي ضمان السيطرة على موارد الطاقة بشكل دائم ومريح لصالح القوة الغربية الأعظم في كل مرحلة من مراحل تحول النظام العالمي.

ان حزب الله لبنان وعموماً المقاومة اللبنانية لمشروع السيطرة الإسرائيلية الأميركية على منابع ومصادر الطاقة والموارد في المنطقة ما هو في الواقع الا افراز طبيعي لوجود ممانعة حقيقية لقوى الحرية والتقدم والتنمية العربية المحيطة بفلسطين بعد ضياعها واحتلالها.

صحيح ان لإيران دوراً بارزاً في بلورة ودعم مثل هذه المقاومة الحديثة المتمثلة في حزب الله والمقاومة الإسلامية. لكن الصحيح أيضاً وقد يكون العالم قد نسي هذا وهو ان إيران الثورة الإسلامية نفسها هي في الواقع والاساس لم تكن الا واحداً من افرازات الممانعة التي كانت تبديها دول وقوى المنطقة الحية للتمدد الإسرائيلي المدعوم بالرعاية الامبراطورية الأميركية.

وهنا لا يعرف البعض ان ما يتهم به حزب الله اليوم من «عمالة» أو «تبعية» لإيران انما يتهم به النظام السياسي الحاكم من إيران من قبل الكثير من القوى الإيرانوية القومية لمتعصبة أو الانعزالية وغالباً ما ينعت بانه «عميل» وتابع للعرب والسوريين والفلسطينيين وانه انما ينفذ أجندة عربية لا علاقة لها بالمصالح الإيرانية القومية العليا!

نعود إلى موضوع حزب الله والعملية العسكرية النوعية لنقول إنه ليس صحيحاً بالمطلق القول إن ما يقوم به حزب الله انما هو اجندة إيرانية أو حرب بالوكالة!

ان كل مطلع منصف يعرف تماماً ان حزب الله كان بحاجة إلى اثبات وجود واظهار مقاومة وممانعة بالاصالة لأن وجوده نفسه كان ولايزال معرضاً للتصفية هو وكل القوى المحلية المتحالفة والمترابطة معه بسبب حروب الفتن المتنقلة التي كان ولا يزال يراهن عليها الأميركي والإسرائيلي في ظل «هدنة» و«سلام» و«صلح» كاذب يقوم إلى قواعد واهية من التعايش مع دولة «إسرائيل» التي تريد بل وتمارس الهيمنة والاذلال اليومي للقدرات اللبنانية المحلية والعربية فضلاً عن الفلسطينية.

نعم أرادوا ان يذبحوه «سلماً» من خلال فتنة حرب طائفية مقيتة ومشروع فيدرالية طوائف واغراق لبنان في برك من الدماء والمجازر تحت عنوان: خداع اسمه «الحرية والاستقلال والسيادة» للبنان المنتزع من محيطه العربي الإسلامي تعميماً للسيناريو العراقي وهو ما لم يكن بالامكان قبوله أو السماح بتمريره، فكان قرار تفعيل المواجهة مع العدو الخارجي والأصلي هو الحل. هذا ما يعتقد به واظن انه الدافع الحقيقي وراء العملية العسكرية النوعية لحزب الله.

نعم لقد كانت حاجة لبنانية صرفة وبالدرجة الأولى من أجل إعادة التوازن الذي فقد في داخل المعادلة اللبنانية. وما لجأ إليه الحزب لم يكن سوى ما توافر من اساليب مشروعة ومبررة بكل الاعراف والشرائع الدولية، انها عملية عسكرية صرفة من أجل استرجاع أرض لبنانية وإعادة أسرى لبنانيين. فأين المشكل؟!

المشكل هو في الجانب الإسرائيلي الذي لم يتطبع بعد على الهزائم، وعلى «الجانب الدولي» الذي لايزال يساير الاحتلال في فلسطين وفي العراق وفي أفغانستان وساهم ويساهم يومياً في قتل أية مبادرة للسلام حتى تلك التي اتت من دول وقوى عربية معتدلة وعاقلة وبراغماتية وصديقة كما يفترض، أليس كذلك؟!

الآن وبعد كل الجرائم والمجازر البشعة التي يندى لها جبين الإنسانية ضد العزل والابرياء في لبنان في مواجهة عملية عسكرية صرفة ليس هناك باب أو مخرج أمام المحتل سوى العودة إلى المربع الأول: اي التفاوض والتبادل والاذعان إلى انه من المستحيل من الآن فصاعداً حسم اي ملف في المنطقة من خلال القوة العسكرية الغاشمة مهما فرطوا في استعمالها.

انها معركة تقرير مصير لبنان أولاً لكنها قد تتحول إلى معركة تقرير مصير سورية وإيران ايضاً بل حتى فلسطين وكل العرب وهذا من طبيعة ترابط الأمور في صيرورة منطقتنا وبلادنا وليس من صنف ظاهرات التبعية والعمالة والحروب بالوكالة

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1416 - السبت 22 يوليو 2006م الموافق 25 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً