العدد 1414 - الخميس 20 يوليو 2006م الموافق 23 جمادى الآخرة 1427هـ

«وعد بلفور»... والمهمة الأساسية لتجميع اليهود في فلسطين

محمد جابر الصباح comments [at] alwasatnews.com

إن المتتبع لكل ما نشرناه من نتائج بحوثنا التي استخلصناها من مجمل دراستينا اللتين نشرناهما في الحلقتين اللتين تم نشرهما على صفحات صحيفتنا الغراء (الوسط) تحت عنوان: «وعد بلفور... في ظاهره وباطنه»، الجمعة 30 يونيو/ حزيران، والجمعة التالية 7 يوليو/ تموز 2006، كانت واضحة وضوحا مطلقاً لا يكتنفه لبس ولا يغشاه غموض، من إذ أن معطيات التاريخ المكتشفة التي تسجل للعداء المسيحي لليهود، ولليهودية كأول ديانة سماوية بعثها الله على يدنبيه وكليمه موسى تفيد أن هذا العداء لم يتوقف عبر قرون ولا لحظة زمنية في مسيرة التاريخ، مما معه لا يمكن لأي باحث محايد أن يستخلص من معطيات العلاقات المسيحية اليهودية. ان وعد بلفور كان يهدف إلى خلق دولة يهودية ثيوقراطية عرقية كما هو المخطط اليهودي لتحكم العالم في النهاية تحت ظل امبراطورية يهودية، وهو أمر لا يمكن ان تسمح به دول الغرب وعلى رأسها أميركا، لأن قيام دولة يهودية بمثل هذا القدر من القوة المتسلطة يتعارض وتطلعات أميركا إلى بسط نفوذها وهيمنتها الاقتصادية المسنودة بقوة عسكرية هائلة ومتفردة على العالم.

يبقى امامنا تفسير وحيد لوعد بلفور، وهو مواصلة المخطط المسيحي التاريخي للتخلص من اليهود وتصفيتهم جذريا على غرار ما قام به الجنود الصليبيون عندما كانوا يحاربون لطرد المسلمين من الأماكن المقدسة.

وعليه فإنه في ظل ما سلف من حوار موضوعي متجرد لا يعرف الميل أو التحيز نكون معه قد وصلنا إلى تصور يمكننا أن نحدد موقفا من وعد بلفور، بأنه ليس الا حلقة في مسلسلة التآمر المسيحي على اليهود واستخدامهم وتسخيرهم لخدمة المصالح الرأسمالية الغربية التي عبر عنها شافتسبري الذي شدد على أهمية اليهود بشأن العودة الثانية للمسيح، هذه الأهمية التي لا نرى لها أي مصطلح ديني يسندها سوى تلك النبوءات المهذارة التي يطلقها اليمين المسيحي بهدف إيهام اليهود بها ودفعهم إلى ارتكاب مزيد من الحماقات ضد البشرية تحت وهم انهم شعب الله المختار، وان الله لم يخلق. سائر البشرية الا لخدمة شعبه المختار، غير مدركين انهم بهذا الطرح يطعنون في العدالة الالهية، ويجعلون من الإله، إلهاً عنصرياً منحازاً إلى فئة من خلقه ميزهم عن بقية خلقه عبر العالم... «كبرت كلمة تخرج من افواههم إن يقولون الا كذبا» (الكهف: 5).

ومع تقصينا للحوادث التاريخية، تبرز امامنا الحقيقة الثابتة التي تفضح وتكذب تدجيل شافتسبري وتضليله لليهود، فيما الحقيقة تكمن في عبارته التكميكية التي تكشف نفاقه وتصفع كذبه، في قوله «اضافة إلى ذلك وجد في انتقال اليهود إلى فلسطين مكاسب تجارية...»، وهذا ما يشكل صميم وعد بلفور، فلو انتبه زعماء العالم العربي المتهالكون تحت ما يمكن ان نعبر عنه المقولة الآتية:

«الموت أفضل يا همام

من فقد كرسي الرئاسة»

من مجمل ما طرحناه، وما سنطرحه من معطيات التاريخ، والعمل على استخلاص نتائجه نكون بهذا اننا نقترب خطوة خطوة من دون ارتباك من الهدف النهائي الذي يهمنا الوصول إليه، والذي اخضعنا طاقاتنا البحثية للوصول إلى أهدافه الخفية الخبيثة، والتي نرى في استخلاصاتنا واستنتاجاتنا التي لابد ان ينتهي بها أي بحث أو دراسة أو تحليل، وجدنا بما لا يقبل الشك أو التأويل... أن «وعد بلفور» ليس إلا مخططا لاخضاع الحكومات العربية واكمال السيطرة الكاملة والمحكمة، بالانفراد بهم في ظل انعزالهم عن شعوبهم، وابعاد الشعوب عن المساهمة في الدفاع عن الأوطان والنظام في ظل انتفاء عدم الثقة بين الجانبين الشعب والحكومة وهو أمر يجري الاستعمار على تنفيذه في إطار وتفسير الاستعمار الجديد المنصوص عليه في تعريف ما يسمى بـ «البيوكولونيالية»، والذي يتضح في انها:

«هي السياسة الاستعمارية للدول الامبريالية في ظروف انهيار النظام الاستعماري للامبريالية، عندما تلجأ الدول الامبريالية إلى اساليب اقتصادية وعسكرية - سياسة جديدة تستهدف اخضاع البلدان المتحررة حديثا (البلدان المستعمرة ونصف المستعمرة سابقا) للسيطرة الفعلية للامبريالية، مع احتفاظها بالمحتوى الثابت للاستعمار».

لاشك اننا في ضوء ما درسناه وبحثناه، نرى اننا قد اقتربنا اقترابا لا يسجل معه أي قدر ولو بسيط من الانفصام الذي يمكن أن يحدث شرخا يسيء إلى سلامة بحوثنا الهادفة لتأكيد أن حقيقة وعد بلفور تكمن في باطنه وليس في ظاهرة... باطنه المتفق والمنسجم مع (الاستعمار الجديد) تحت مقولة:

«البيوكولونيالية» وشرحها الذي قدمناه؟!...

وفي مدى مسيرة بحثنا وبلوغنا عند حد هذا المفصل الانعطافي يبرز امامنا السؤال المهم... كيف تتم عملية تنفيذ مخطط بلفور في باطنه من أهداف استعمارية واقتصادية شريرة... هذا أولاً، وثانيا كيف كان على حكومات العالم العربي ان تواجهه، علما بانه لايزال في الوقت متسع لمواجهته، لو تحررت إرادة القرار الرسمي العربي، وطلقت التوجيهات الاستعمارية، وأبرزت وجهها الحقيقي الحر، بالقاء توجيهات الاستعمار لها وراء ظهورها في سلة النفايات وتوجهت إلى شعوبها، وتحررت من سوء الظنون التاريخية المعطلة للتلاقي! وفيما يختص ويرتبط بسؤالنا (أولا) وكيفية تنفيذه في ظل مخطط وعد بلفور في باطنه هو كيف نشرح هذا الوعد الملعون وكيف نواجهه، ونفضح أهدافه الملعونة؟

إن تفسير وعد بلفور في ما يرتبط بظاهره. خلق (دولة يهودية)، مع ما اطلعنا عليه من حوادث التاريخ من تطلع اليهود إلى اقامة امبراطورية تحكم العالم حكما ثيوقراطيا، عنصريا، هو من الأمور التي لا يمكن ان تسمح به دول الغرب المسيحي، المعادية لليهود عبر قرون من مسيرة التاريخ، وفي تحليلنا انه لو ركبت «إسرائيل» (المافيا اليهودية الصهيونية) رأسها في ظل مخططاتها، وتحت ضغوط حربية عربية مستمرة ضد «إسرائيل»، وعمدت تحت أوهامها بأنها شعب الله المختار، وان الله قد منح اليهود العبقرية ليحكموا العالم، وقامت كما قال موشي ديان للمتمولين اليهود في نيويورك عليكم ان تواصلوا الدفع والتبرع لنسيطر على كامل المنطقة بأسرها...! المنطقة المهمة التي تتحكم في الممرات المائية والثروات البترولية التي تسير العالم... حتى نكمل سيطرتنا ونصبح أسياد العصر... وشعب الله المختار».

ترى هل هناك عقل بشري ولو كان ساذجا يقر بأن تسمح دول الغرب الاستعمارية لـ «إسرائيل» أن تنفذ مثل هذه التطلعات؟!... وفي ظل انتفاء مثل هذا التطلع الإسرائيلي، وعدم سماح دول الغرب بحدوثه، بقي علينا ان نركز على ما هو الدور الحقيقي الذي تقوم به «إسرائيل»، أو المافيا اليهودية الصهيونية في المنطقة العربية الشرق أوسطية.

إنها ولاشك دفع حكام العالم العربي إلى الارتماء في احضان أميركا، والاستجارة بها كالمستجير من الرمضاء بالنار، وليشتروا كومة من السلاح الخردة التي عفى عليها الزمن، وأصبحت «اكسبايرد» خارج التاريخ والعمل، من مخلفات مصانعها، وهي عملية تحقق ضرب عصفورين في آن واحد.

أولاً: السيطرة التامة على الحكومات العربية، عن طريق المستشارين الأميركيين للاشراف على تدريب الجيوش العربية على استعمال السلاح وصيانته، مع شرائه من أميركا.

ثانياً: إن شراء السلاح من منتجات المصانع الأميركية، يحقق أهم غايات مخطط وعد بلفور، وهو استرجاع قيمة النفط، الذي تكون أميركا والدول الغربية الأخرى قد استفادت منه في تشغيل مصانعها، وعمالها وخففت من مستوى البطالة وضغوطها وما يترتب عليها من تعويضات العاطلين عن العمل... ومن ثم في ظل هذه التلاعبات التجارية وتحقيق الأرباح، تم للدول الامبريالية استعادة ما دفعته من أموال لشراء النفط مقابل أسلحة لا تصل تكنولوجيتها إلى تكنولوجية الأسحلة التي تم تزويد المافيا اليهودية الصهيونية بها.

وفي ظل التعامل مع وعد بلفورد في باطنه، منذ البداية وعملنا على افشاله، بلجوء حكومات العالم العربي، ما لجأ إليه الرعيم العظيم الخالد جمال عبدالناصر في شرائه صفقة الأسلحة التشيكية، التي أغاضت، وهزت استقرار الرئيس الأميركي آنذاك حتى وصفها بالعمل الخطير. لأنها خطوة من شأنها أن تفشل وعد بلفور في أهدافه السرية، لو اقتدى حكام ورؤساء العالم العربي، بخطوة جمال عبدالناصر المتحررة والجريئة... فلربما يكون اليوم موقف الدول الغربية من «إسرائيل» كحارس مرمى قد فشل في مهمته، موقفاً آخر يختلف عما هو عليه اليوم، ولانهارت في ظل هذه الحقيقة مجمل نبوءات اليمين المسيحي التي أطلقها حول «إسرائيل»، ولكن في ظل خونة من حكام ورؤساء يرون في ظل ضياعهم أن:

«الموت أفضل يا همــام

من فقد كرسي الرئاسة

حتى ولو فاحت نتانته

وعانقــت عنــق الانـــاقة»

ولكن لا يعجب يا أخي العربي أن تكون لبنان للمرة الثانية تحت النيران، وحكام الشؤم في العالم العربي كانوا وهم اليوم كائنون تحت الثلج القطبي:

«الجرح عميق والأعشاب العربية - لا تولد إلا اعشاباً

إقرأ أيضا لـ "محمد جابر الصباح"

العدد 1414 - الخميس 20 يوليو 2006م الموافق 23 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً