في الحرب العالمية الثانية، كانت بلجيكا من ضمن الدول التي وقعت في قبضة النازيين. وكانت المخابرات الألمانية تُحكم مراقبتها على البلجيكيين، وتنشر بينهم الخوف والرعب. وكان لابد من التأكد من عدم وجود مخبرين وجواسيس حول منازلهم قبل أن يستمعوا إلى إذاعة الحلفاء (أعداء ألمانيا).
وفي ذات مساء، فتح أحدهم المذياع، وخرج في الظلام ليتأكد بنفسه من عدم ارتفاع الصوت، وبينما هو منحنٍ على نافذة منزله أتته رفسةٌ في قفاه على حين غفلةٍ فانتفض مذعوراً ودخل المنزل! وفي الصباح، التقى في الطريق جاره، الذي بادره بقوله: البارحة عثرت على جاسوسٍ ألماني حقير يتنصّت على منزلكم، فرفسته في مؤخرته ووليت هارباً!
هذه صورةٌ مما كان يحدث في ليالي الشعوب الأوروبية في ظل الاحتلال النازي، أما الشعوب العربية هذه الأيام، مع اشتداد العربدة الإسرائيلية في فلسطين ولبنان، فمتابعةٌ وسهرٌ دائمٌ حتى وقت متأخرٍ من الليل. فقلوب كل الشعب العربي اليوم معلّقةٌ بلبنان، بينما قلوبُ الحكام العرب معلّقةٌ بالبيت الأبيض.
ما حصل فجر أمس (الخميس)، أن العدو الصهيوني أعلن عند الساعة الواحدة فجراً، أنه ألقى 23 طنّاً من المتفجرات على «ملجأ يتحصّن فيه قادة حزب الله، مع وجود عدد كبير من قادته وكوادره».
عند الواحدة وعشرين دقيقة، تلقت مراسلة «الجزيرة» في بيروت مكالمةً من أحد مسئولي الحزب، ينفي فيها هذا الادعاء الكاذب. وعند الواحدة والنصف تماماً، أصدر الحزب بياناً ينفي فيه استشهاد أيٍّ من قادته أو عناصره في الغارة التي وقعت في برج البراجنة، وقال «إن العدو إنما يريد بأكاذيبه أن يغطي على إخفاقاته في الميدان».
في الواحدة وأربعين دقيقة، نقلت «رويترز» عن مصدر عسكري إسرائيلي قوله انه يعتقد «ان حسن نصرالله ربما كان موجوداً في الملجأ»! فالاسرائيليون يطلقون الكذبة ويصدقونها، ويصرون عليها.
عند الصباح، اتضح أن الموقع الذي اعتبرته «إسرائيل» ملجأ يجتمع فيه قادة حزب الله انما كان مبنى تحت الإنشاء، ليكون مسجداً للصلاة، وهو خارج ما يسمى بالمربع الأمني أصلاً. وأن الطيران الإسرائيلي إنما أسقط 23 طناً من المتفجرات على كومة من الحجارة والمسامير والأخشاب ومخلفات البناء!
«إسرائيل» حصلت على الضوء الأخضر من واشنطن، وعلى تشجيعٍ مبطّنٍ من بعض الحكام العرب، ومن تخاذل موقف الجامعة العربية. وبعد اسبوع من القصف والتدمير، مدّدت لها واشنطن أسبوعاً آخر لمواصلة العربدة والطغيان.
آلة البطش الإسرائيلية في الأيام الأخيرة تحوّلت إلى استهداف المدنيين وضرب كل هدف متحرك، منعاً لوصول إمدادات الغذاء والدواء والماء. أحد المراسلين في بيروت صباح أمس ذكر أمثلةً على تخبط الإسرائيليين، إذ قاموا بضرب شاحنات تنقل مواد غذائية، على اعتقاد انها تنقل شحنات سلاح وصواريخ.
البعض يشير إلى اعتماد «إسرائيل» على معلومات مغلوطة تتلقاها من داخل لبنان، ويبدو أن بقايا جواسيس «إسرائيل» الذين تلقوا رفساتٍ مفاجئةً في قفاهم، أخذوا يورّطون «إسرائيل» بمعلومات خاطئة، فصدّقت أن مسجداً تحت الإنشاء هو ملجأ لقادة حزب الله! وأن أكوام الأخشاب والمسامير رشاشات وصواريخ
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1414 - الخميس 20 يوليو 2006م الموافق 23 جمادى الآخرة 1427هـ