فقدت أسهم عملاق الانترنت ياهو (Yahoo .Inc) ما يربو على 20 في المئة من قيمتها بعد الإعلان عن نتائجها المالية مساء الأربعاء الماضي، لتغلق على 25,20 دولاراً بحسب أسعار سوق شركات التكنولوجيا المالية ناسدك (Nasdaq Stock Market). ويعتبر ذلك أقصى تراجع عرفته الشركة خلال العامين الماضيين. ويبدو أن السبب الرئيسي وراء ذلك هو تأجيل إطلاق نموذجها التجاري للسياسة الإعلانية التي ستأخذ بها، والتي كانت ستعود عليها بنسبة عالية من الأرباح. وفقد المساهمون ما يربو على 9,6 مليارات دولار من جراء هذا التراجع. وحسبما تراه صحيفة »وول ستريت« فإن ياهو، وهو من أكثر بوابات الانترنت زيارة قد فشلت في اللحاق بمنافستها »غوغل«. وتحتفظ الاثنتان بما يزيد على 70 في المئة من حصة سوق محركات البحث الأميركية. ويبدو انها، أي ياهو، لاتزال تلهث وراء غوغل التي نجحت ولفترة تزيد على العام في أن تتصدر الجميع. ويبدو أن الإحباط الذي سرى في أوساط المساهمين يعود إلى أن الياهو لم يعط سبباً منطقياً يفسر الذي حصل. وفضل الصمت على إعطاء التزامات جديدة قد يجد نفسه عاجزاً عن الإيفاء بها الأمر الذي سينعكس سلباً على أدائه المالي، وهو مسألة يتحاشاها في هذه المرحلة.
بعض المحللين الماليين في جي. بي. موغان (JP Morgan) من أمثال إمران خان أبدوا تشاؤمهم من المستقبل الذي ينتظر ياهو وباتوا يحذرون من فشل ياهو في تحقيق توقعاتها المالية لهذه السنة. ويذهب خان إلى القول إن أسعار أسهم ياهو معرضة لتراجع آخر بعد أن تعلن غوغل نتائجها المالية للربع السنة الثاني والمتوقع لها ان تكون، وفقا للتوقعات، أفضل من العام الماضي.
يشار هنا إلى هذا التراجع لا يعني إطلاقاً أن أوضاع الشركة سيئة، أو أنها في وضع مأسوي، فقد حققت ياهو إيرادات بلغت 164,3 مليون دولار خلال الأشهر الثلاثة التي انتهت في يونيو/ حزيران الماضي. أو ريعاً قدره 11 سنتاً للسهم الواحد. وهو تراجع تبلغ نسبته 78 في المئة مقارنة مع الربع الثاني من العام 2005، عندما حققت ياهو دخلاً بلغ 7,745 ملايين دولار او ما معدله 51 سنتاً للسهم الواحد.
ويبدو أن هناك شيئاً من التلاعب المحاسبي في عرض النتائج المالية، لأن ياهو أظهرت دخلا قدره 552 مليون دولار خلال الربع الأخير من العام الماضي، بعد أن باعت أسهمها في غوغل، إلى جانب أن قوانين المحاسبة الجديد باتت تطالبها بخصم ثمن الأسهم الممنوحة للموظفين من إجمالي الربح، وهو أمر لم يكن مطبقا في التدقيق المحاسبي في العام الماضي.
وبلغ إجمالي العائد المالي للربع الثاني من هذا العام 1,58 مليار دولار بتحسن نسبته 26 في المئة مقارنة مع الـ 1,25 مليار دولار التي حققت في الربع الثاني من العام الماضي. لكن بعد أن دفعت ياهو حصص شبكات الإعلان تراجع إجمالي الدخل ليصل إلى 1,12 مليار دولار.
ولربما كان وقع النتائج أقل وطأة لو أن رئيس ياهو نيري سيميل وفريق إدارته لم يفصحا عن قرار تأجيل العمل بمنصة الإعلان الجديدة التي طالما تاق المساهمون إلى رؤيتها تعمل على أرض الواقع. ويبدو أن المستثمرين كانوا يأملون أن إطلاق تلك المنصة سيدر على ياهو مزيداً من الدخل، ناهيك عن تحسين وضعها في سوق الإعلان الإلكتروني، إلى جانب تحسين وضعها التنافسي مع العملاق الآخر غوغل.
ومن الواضح جداً ن النمو المالي الذي عرفته غوغل خلال العامين الماضيين قد ابتز ياهو على أكثر من صعيد، وكان ذلك عائداً بشكل جزئي إلى قدرة غوغل على تطوير معادلة إعلانية متناسقة مع النتائج المعروضة في صفحة نتائج البحث على غوغل ومصاحبة لها. وقد اعترف سيميل نفسه بهذا التفوق، إذ قال في مقابلة أجراها حديثاً »نحن لا نسك عملة أو ذهباً، ناهيك أن الوصول إلى ذلك سيكلفنا مبالغ باهظة«. ربما ليس في وسع ياهو تخصيصها لمثل ذلك في الوقت الراهن.
ويبدو أن ياهو لا تنوي أن تنفذ خطتها الجديدة وبشكل كامل قبل مطلع العام المقبل، وهو أمر مخالف لما سبق أن أعلنت عنه ياهو في شهر مايو/ أيار الماضي عندما أكدت أنها ستنتقل إلى النموذج التجاري الجديد لإعلاناتها في الربع الثالث من هذا العام، وأن الشكل النهائي لذلك النموذج سيتم تطبيقه في الربع الأخير من العام ذاته.
وحسبما يراه سيميل، فإن ياهو غير راغبة »في ركوب أية مخاطرة من أية نوع كان... ونحن ندرك أهمية وجدوى ودور المنصة الإعلانية الجديدة، لكننا لم نرتكب أي خطأ نأسف عليه من جراء تأجيل موعد الإطلاق... والمسألة مسألة وقت أكثر من أي شيء آخر«.
بقي أن نعرف أن ياهو ما تزال تحتفظ بحصة الأسد في سوق الانترنت عندما يتعلق بعدد الزوار الذي تحصد ياهو 402 زائر متفرد منهم (unique users)، لكنها بدأت تفقد شيئاً من ثقة مستثمريها من جراء المكاسب والإنجازات التي حققتها غوغل في أسواق محركات البحث وأسواق الإعلان.
فحتى شهر يونيو الماضي احتفظت غوغل بنحو 45 في المئة من حصة سوق محركات البحث في الولايات المتحدة، محققة قفزة لا يستهان بها من حصتها في السوق ذاته في الفترة نفسها من العام الماضي والتي لم تكن تتعدى حينها 40 في المئة. تأتي ياهو في المرتبة الثانية بحصة تصل إلى نحو 29 في المئة بتراجع من حصة كانت تبلغ نحو 31 في المئة في العام الماضي، وفقاً لأرقام شركة كوم سكور (ComScore).
تعكس حال ياهو هنا حقيقة واحدة بشأن الشركات العامة المدرجة أسهمها على لائحة اسواق المال العامة، فمقياس نجاحها غير قائم على نسبة الأرباح التي تحققها، بقدر ما تقاس بقدرتها على الوصول إلى الأرباح التي التزمت بتحقيقها. لذلك فكثيراً ما نجد بعض الشركات تفقد من قيمة أسهمها من جراء ذلك، على رغم انها حققت أرباحا تعتبر معقولة قياساً بحال السوق السائدة آنذاك.
المسألة الثانية هنا هي أن الحرب الدائرة بين عملاقي سوق محركات البحث الأميركية ياهو و غوغل - لم تعد محصورة في منصات البحث والكفاءة التي تتمتع بها، بل اتسع نطاق التنافس ليشمل السوق الإعلانية التي باتت الرافعة الرئيسية التي تعتمد عليها كلتيهما في زيادة دخليهما ومن ثم رفع القيمة السوقية لأسهمهما.
ولهذا بدأنا نشاهد ذلك المزج المتكامل بين صفحة نتائج البحث والإعلان المرافق لها، ولمسنا النموذج المالي والتجاري الناجح الذي يربط بينهما، وهو الأمر الذي ابتزت فيه غوغل الآخرين. المسألة الثالثة هي أن مايكروسوفت، هي الأخرى تزمع ولوج هذه السوق، وهي تحتل الآن المرتبة الثالثة فيه. والكل يترقب النموذج التي ستطرحه مايكروسوفت ومدى تأثيره على كل من ياهو وغوغل. وحديثاً سرت إشاعة قوية عن تحالف قريب بين ياهو ومايكروسوفت لمواجهة التحدي الذي تطرحه غوغل، لكن شيئاً على الأرض لم يتحقق. لكن أياً من الشركتين لم تنف ذلك لم تعلن عنة توقف المحادثات. ولعل الأيام المقبلة تكشف عن مولود جديد يطرح نموذجاً جديداً ليس من المستبعد ولن يكون من المستغرب أن يكون برنامج التشغيل فيزتا (Vista) منصته التشغيلية وأرضيته التقنية التي يستند عليها
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1414 - الخميس 20 يوليو 2006م الموافق 23 جمادى الآخرة 1427هـ