في كل مرة أقرر كتابة مقال عن النواب أفكر قليلاً وأقول: دع النواب وشأنهم، لكن سرعان ما أجد قلمي يكون أسرع مني فعرفت حينها أن المشكلة تكمن في قلمي العاصي. لكن هذه المرة بدأت الجلسات الأخيرة للمجلس تأخذ شكل الأطلال، وكل العذر طبعاً لنوابنا الأفاضل ولا تثريب عليهم، فبعد فصل تشريعي طويل، لا يمكن إنكار الوضع النفسي الرهيب الذي كان يشكو منه النواب الذين يحرصون كل الحرص على حضور الجلسات من بدايتها إلى نهايتها من دون جدوى تذكر. والآن في الأشهر الستة الأخيرة تحققت كل الانجازات، فلابد أن يشعروا بالتعب والإرهاق، ويستطيع النواب الآن مواجهة الجمهور من جديد بعد أن جفت مياه وجوههم في الفترة السابقة، فلديهم ما يتحدثون عنه من قوائم مطولة من القوانين التشريعية التي أقرت بسرعة البرق، وجاءت لتناسب كل الأذواق، فهناك الضار والنافع، وطبيعي جداً أن يتلهف النائب بعد هذا العناء إلى رحلة طويلة في ربوع أوروبا أو غيرها من القارات الباردة لينسى فيها «وجع الرأس»، ويبتعد عن لسعات الحر الشديدة في البحرين، يجدد فيها نشاطه ويستعيد صحته، استعداداً للمعركة الانتخابية المقبلة!
البعض الآخر لم يشأ مغادرة البلد خوفاً من الابتعاد عن دائرته، وبالتالي يتم نسيانه ولاسيما مع دخول الوجوه الجديدة، ومشاركة الجمعيات المقاطعة ذات الثقل في الشارع، فشاور وقرر وضع لافتات كبيرة جداً في الشوارع، نصفها تزينه صورته والنصف الآخر إعلان لإحدى الفعاليات! وهذا أهم طلب من مصمم الإعلان، ليحتفل مع أهالي دائرته بمهرجانات ترفيهية متنوعة، وهو ما لم يتعود عليه، لكن اضطر لدواع انتخابية ودعائية أمام سفرة طويلة وحملة انتخابية يستعد لها.
السفر تستحقونه، والدعايات الانتخابية مطلوبة، لكن لا ننس أن هناك عيوناً ساهرة ومراقبة تشتد، فالعين التي تشاهد الإعلانات نفسها ترى أموراً أخرى غير إيجابية في النائب نفسه، فلا نتحكم في مشاهدات الشارع لكن قد ننجح أحياناً في توجيهها، فلا تفوتكم المشاوير المتعلقة بسفراتكم الخاصة أو ببرنامجكم الانتخابي وتتركون خلالها مقاعدكم في المجلس النيابي خاوية على عروشها، وكأنكم طلاب مدرسة متسربون قبل انتهاء العام الدراسي، فكيف لكم أن تطلبوا من الناس أن تثق بكم مجدداً وهي ترى ما تراه من هزال؟ ابقوا في مقاعدكم وأتموا العام الدراسي على خير، بعدها فكروا في مشروعاتكم الخاصة، فالصحافة سامحها الله لا تخفي شيئاً عن الجمهور، وهي دائما تنغص عليكم حياتكم! فحذار منها. وعرفنا منها أن إحدى الجلسات التي أقرت فيها تشريعات مهمة تمت بحضور 14 نائباً فقط من أصل 40، وبغياب 26 عضواً، من بينهم رئيس المجلس ونائبه الأول، وانعقدت الجلسة بالنائب الثاني، بل اضطر حينها إلى مغادرة القاعة وترأس الجلسة أكبر النواب سناً، واكتفت كل كتلة من الكتل الثلاث (المنبر الإسلامي، الأصالة، المستقلين)، التي تحالفت على تمرير قانون الإرهاب على ضرورة توافر عضو واحد على الأقل في حين وجدوا جميعهم في جلسة التصويت عليه، ويبدو أن الصفقة السياسية كانت لا تفوت.
بعد كل ما قيل... ألا تستحقون قول من قال: هزلت وبان هزالها؟
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1414 - الخميس 20 يوليو 2006م الموافق 23 جمادى الآخرة 1427هـ