نشعر أننا بحاجة أن نتوقف بين الآونة والأخرى وبعيداً عن الحديث عن الهموم الاقتصادية لمجتمعاتنا للتطرق الى بعض القضايا التي تنطوي بشكل أساسي على مضامين نظرية، ولكن لابد من تفهمها للتعامل مع تلك الهموم بشكل أفضل واكثر منهجية.
لقد قيل كثيراً بشأن ادارة محافظ الاوراق المالية وبالنسبة الى الذين يحاولون تجنب مفاهيم المقامرة في ادارتهم لهذه المحافظ والذين اقنعتهم التجربة او التفكير السليم بالارتياب في «الشائعات» و«التوصيات» يجدر لهم ان يتذكروا دائماً القواعد المبنية على الحذر والتفكير في آن معا في ادارتهم لمحافظهم الاستثمارية.
ان على المرء اولاً الا يلتزم بما يفوق امكاناته، أي بما يزيد على ما يمكن ان يخسره من دون ضرر جسيم، خصوصاً عندما يعقد صفقة لأجل. لكن ، يجب ايضاً الا تكون عنده افكار مسبقة قد تنجم عن توظيفات سابقة، موفقة او مخفقة، ولا التزامات عمياء قد تقود مثلا - بحجة خفض متوسطات اسعاره، أي بحجة استرداد اسهم بسعر ادنى من سعر الشراء الاول - الى اهمال توزيع المخاطر والى الاصرار على أسهم ربما تكون هناك أسباب وجيهة لفقدانها اهتمام السوق بها. والعبرة من ذلك انه قد يكون من الحكمة بمكان ان يتقبل المرء الخسارة مثلما يتقبل الربح، حتى ولو لم تكن العملية تنطوي على الترضيات ذاتها.
بالنسبة الى اختيار الأسهم، لابد من التذكر بأن المستقبل اهم من الماضي، كما ان الارتفاع المنتظم لقيمة السهم يبقى معياراً ذا شأن لنوعية السهم وان مردود توظيف ما يكون احياناً متناسباً عكسياً مع درجة ضمانته وان غلاء احد الأسهم يرتبط دوماً بجاذبيته.
لقد نضج علم البورصة في السنوات الاخيرة، تحت تأثير طرائق التحليل الاميركية وبسبب الدور الأكبر للمستثمرين المؤسسين. وتقاس نوعية الأسهم اليوم ببنية الشركات كما بدينامية ادارتها، بينما تقل تدريجياً تقدير سعرها تبعاً لقيمة تصفيتها ويزداد تقديره بفضل رسملة ارباحها المستقبلية. هنا ايضاً، تزداد الحاجة كل يوم الى مساعدة الاختصاصيين في التحليل المالي، الذين يسعون الى التنبؤ بتطور الاقتصاد ونتائج المؤسسات. فقد ولى الزمن الذي كان بامكان المرء فيه ان يشتري سهماً في البورصة من دون قلق على الآخر متكلاً على ذاتيته وحدها.
اخيراً، يجدر بنا التذكير بأنه لا ينبغي الاستسلام لا لتثبيط العزيمة ولا للذعر وبان حركات البورصة ليست وحيدة الاتجاه. لقد قيل ان المرء قد يغتني احياناً بالبيع قبل الاوان. لكنه قد يغتني ايضاً بالشراء قبل الاوان، مع انه يقتضي احياناً اتقاء الجنون الذي يقوم على رغبة المرء في البقاء عاقلا بين المجانين. واذا كانت مبادئ تكوين محفظة اوراق مالية وادارتها امورا سهلة نسبيا، فان تطبيقها ليس بالسهولة نفسها. ففي عصر يتسارع فيه تطور الاوضاع وتجابه فيه اقوى الشركات احيانا مشكلات رهيبة من جراء المنافسة الدولية، يليق بالمرء اكثر من أي وقت مضى عدم الاعتصام بالجمود.
ان المستثمر بناء على وضعه الشخصي وبعد تفحص جميع امكانات التوظيف، عليه ان يسعى ليس فقط لتكوين محافظ استثمارية متوازنة بما يتناسب مع مصالحه، انما ايضاً مراقبتها والقيام بالمراجعات الضرورية في الوقت الأكثر ملاءمة، مع التوفيق بين متطلبات الامان والمردود والتثمين
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1413 - الأربعاء 19 يوليو 2006م الموافق 22 جمادى الآخرة 1427هـ