جنوب لبنان، الأراضي المحتلة وفلسطين، العراق، التسونامي في إندونيسيا، كوريا الجنوبية، التوتر بين إيران وأميركا؛ وبين سورية وأميركا... هذه بعض الأمور التي بدأت تتصدر الأخبار. وهناك المزيد منها، فالكوارث الطبيعية وتلك المدبرة بشرياً عن طريق صراع المصالح لا تنتهي. الأرواح تفقد، البيوت تهدم، المجازر تنفذ، وأنا وأنتم نتفرج على العالم بأسره عبر تلك البلورة السحرية المسماة بالتلفاز. قد لا تريك هذه البلورة المستقبل، لكن هي لاتزال ذات جاذبية سحرية بصفتها تريك ما يحدث الآن من فزع ودمار وأنت جالس في أمان تام. فهي تمكنك في لمحة بصر التنقل من الفلوجة إلى قنوات الأغاني ومن هزات الفيديو كليب إلى هزات سلاح العدو في الأراضي المحتلة.
نعم، ها قد عدت أتحدث عن شيء قد لا يقرب من المال والأعمال. لكن إذًا (نعم، سأستعين بتلك الجملة مرة أخرى!) إذا أعدنا النظر وفتحنا عقلنا ونظرنا بعمق أكبر سنرى بأن كل ظروف العالم تنعكس في تلك الورقة التي نعمل من أجلها ونسعى وراء المزيد منها.
يقال بالإنجليزية إن الأموال تجعل العالم يدور، وفي ذلك حقيقة أكثر مما يظنه البعض. صحيح بأن الأموال التي تصرفها وتستثمرها وتسعى وراءها تسير وتميز عالمك الخاص عن عالم غيرك، ويمكن القول إنك ما تشتريه (وهذا يتضمن ما تأكله كما يقول البعض!). لكن هذه الأموال التي تديرها تؤثر على عالم غيرك أيضاً، عالم من هم هنا وهناك ومن هم لا يمتلكون المال ولا حتى العمل للحصول عليه.
من مجاعة أيتام الحرب في السودان إلى اللاجئين والمعتقلين وغيرهم من الأشخاص الذين نجدهم «داخل التلفزيون،» كلهم لديهم قضايا تباع وتشترى. وهذه التجارة ليست فقط عند من يملك السلطة أو اللوبيات ذات النفوذ، بل حتى أنت وما تفعله بأموالك.
قد ترى فرصة ربحية جيدة أو استثمار يفي الخطورة، لكن هل راجعت الأمر بمصداقية تفوق مجرد المالية؟ بموقف صامد على المبادئ الإنسانية والأخلاقية؟ هل تسأل إن كان الاستثمار مرتبطاً بشركة أسلحة أو شركة إعلام منحاز أو حتى مجموعة سياسية معادية؟ أم هل هذه الأمور بعيدة عن بالك ولا تريد أن تواجهها، فإن كل ما تريد عمله هو «كسب بعض المال»! لكن أية فلسفة هذه التي تستند بمنطق طمع جاهل، حيث العالم يدور حولك ولا عليك من أي شيء آخر!
أتفق بأن غالبية الناس يعلمون أين يضعون أو يصرفون أموالهم عموماً؟! لكن يتساءل المرء أحياناً عندما نرى بعض بيوت الاستثمار تسعى وراء المردود المالي فقط؛ لا مبالية للمردود المعنوي مهما أظهرت لنا تلك البلورة السحرية العالم. فعند البعض، التلفزيون مجرد وميض يمكن إطفاؤه في أي وقت
العدد 1412 - الثلثاء 18 يوليو 2006م الموافق 21 جمادى الآخرة 1427هـ