العدد 1411 - الإثنين 17 يوليو 2006م الموافق 20 جمادى الآخرة 1427هـ

«زير» التفاوض بين إيران والغرب... ماضٍ حذر ونهاية مجهولة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كانت مارغاريت مييد تقول: «إن الثقافة كاللغة، إما أن تقبلها كلها وأما تتركها كلها»، وهي مقولة يمكن إسقاطها إلى حد ما على العرض الأورو-أميركي المقدم إلى إيران، فالأخيرة مطالبة الآن بأن تكون إما في موقع الرفض وإما في موضع القبول بها، رغبة من الغرب في عدم إعطاء طهران القدرة على الالتفاف على العرض كما كانت تفعل بالنسبة إلى اتفاق باريس وقبله سعد آباد، لمنع أي تعد دراماتيكي يهدف إلى رفع الحد الأعلى (بنظر الدول 5 + 1) لسقف المنافع المقررة لإيران.

المفاوض الإيراني - كما يرى رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي - هو من أصعب المفاوضين الذين تتعامل معهم الوكالة، ولديهم حنكة سياسية عالية المستوى، وقد استطاع فريق التفاوض الذي يديره علي لاريجاني أن يقلب المعادلة لصالح بلاده التي كانت تتفاوض من أجل التعليق ليجعلها تعلق من أجل التفاوض، وبالتالي فإن تنويع الخيارات وطريقة التعامل معها، قد تتسع أمام هذا المفاوض إذا ما قيست بضيق اليد أمام الولايات المتحدة الأميركية التي تعيش أزمة أمنية وعسكرية في العراق وأفغانستان بالإضافة إلى مواءمة مصالحها ومشكلاتها مع دول الممانعة.

الإيرانيون يسيرون بعدة اتجاهات كلها تصب في نقطة تمييع الوقت، الاتجاه الأول يتعلق بالملفات الإقليمية، والثاني بموقفي روسيا والصين، أما الثالث فمنظومة المصالح الغربية معها ومع حلفائها، وهم بالتالي يروجون (أي الإيرانيون) لوجود ثمة نقاط مبهمة في العرض الأوروبي المقدم إليها في السادس من يونيو/ حزيران الماضي تحتاج إلى تبيين، بالإضافة إلى أنه لا يحظى بضمانة قانونية وتنفيذية، ما يجعل من الصعب على إيران النظر فيه كرزمة واحدة. وأمام ذلك الإشكال الفني يتصدر الخلاف الغائر المتعلق بموضوع تعليق التخصيب كأحد أهم العناوين الدينية والقومية لإيران التي ترى فيه خطاً أحمر على الأقل لغاية هذه المرحلة، إلا أنها أيضاً ومن أجل تشتيت درجات التباين من حين إلى آخر مع الحفاظ على حافتي المعادلة، تقوم باستبدال مفردات خطابها السياسي في هذا الشأن طبقاً لمنسوب التعاطي الدولي والإقليمي، فعندما سئل لاريجاني عن أهم المسائل والنقاط التي لا يمكن التغاضي عنها في القضية النووية، قال إنه ومن أجل إيجاد الاستقرار والسلام والأمن الدولي يجب وفق أساس عادل وضع أي معايير مزدوجة وسلوكيات تمييزية في إطار القوانين الدولية الموجودة جانباً، في حين أن إيران لم تبرح سابقاً من تقديم رأيها النهائي غير القابل للتفاوض بشأن يوقف التخصيب، إلا أنه وبعد تصريحات لاريجاني الذي كان يتحدث إلى القناة العاشرة في التلفزيون الإيطالي؛ أعاد الطرح ذاته وبالسقف ذاته. وفي بادرة من إيران لخلط الأوراق مرة أخرى طالب لاريجاني بضرورة إشراك ايطاليا في المباحثات، باعتبارها أكبر شريك تجاري لبلاده، وربما عنى المفاوض الإيراني ذلك رغبة منه في تشجيع يسار الوسط بزعامة رومانو برودي الذي فاز على ائتلاف اليمين البرلسكوني في الانتخابات الأخيرة للدخول في أتون المفاوضات الجارية بغية استحلاب أية نقاط قد تخدم طهران في هذه المرحلة، خصوصاً بعد أن أبدت الحكومة الإيطالية الجديدة موقفاً مغايراً من أزمة احتلال العراق بسحب قواتها من هذا البلد، وهي الخطوة التي رحبت بها إيران واصفة ذلك بالقرار «العقلاني». ثم ما صرح به مساعد رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما، من دعم الإيطاليين لحق الجمهورية الإسلامية في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية.

إصرار الإيرانيين على الموعد المضروب من قبلهم وهو الثاني والعشرون من أغسطس/ آب المقبل، يثير سؤالاً مهماً، وهو: لماذا يصر الإيرانيون على ذلك التوقيت، وكيف لهم مجاراة الضغوط الغربية أو تحملها؟ ثم ما الخيوط التي تمتلكها طهران لتدير اللعبة بهذا المستوى من المغامرة؟ هذه أسئلة منطقية وملحة في الوقت نفسه وتحتاج إلى نظر، وربما تأتي الإجابة عنها من بين المتشابكات القائمة في المعادلة الإقليمية والدولية، فإيران نجحت في أن تستدعي الكثير من المكعبات المطلوبة لإتمام الخريطة المطروحة أمامها للوصول إلى مركز الأمان، بل إنها استلت من رحم التناقضات والأزمات أوراقاً رابحة، فمثلاً:

موضوع العراق وصيرورته لإحدى أهم الأوراق لدى طهران لا يمكن تجاهله أبداً، فهذا البلد الذي كان باكورة العمل اليميني الأميركي ضد دول محور الشر لتحقيق الأمن المطلق للولايات المتحدة الأميركية أضحى مربعاً مغلقاً بالنسبة إلى واشنطن، فهي لا تستطيع أن تعيد عجلة التاريخ إلى الوراء لتقوّم مرة أخرى نيتها احتلاله، ولا تستطيع أن تخرج منه الآن لأسباب متعددة تتعلق بالأمن القومي الأميركي الذي صار الوجود العسكري الأميركي في المنطقة جزءاً عضوياً منه، وأمام ذلك أضحت إيران لاعباً أصلياً في المعادلة، عبر خطين موازين، الأول: من خلال حلفائها النشطين سياسياً وأمنياً واجتماعياً واقتصادياً في الساحة العراقية بعد سيطرتهم على تسع محافظات عراقية في الانتخابات الأخيرة، ست منها بيد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بشكل مطلق، والثاني من خلال العجز العسكري الأميركي أمام ضربات المقاومة العراقية وأمام تنظيم «القاعدة»، ومن دون أن تقوم إيران بعمل مسلح مباشر أو غير مباشر يكفيها أن تغلق حدودها عسكرياً لتنظر مأساة المعركة التي تقوم بها القوات الأميركية ضد مناهضيها داخل الأرضي العراقية. وقد اعتبرت هذه الصيرورة بالنسبة إلى الأميركيين مطباً كبيراً دفعهم إلى طلب المساعدة من إيران في شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وفبراير/ شباط الماضيين بشكل ملح.

ملف آخر استطاعت إيران أن تتلقفه جيداً وهو تجميع وحصر جميع المواقف السياسية والدبلوماسية للدول الكبرى تجاهها وإجراء عملية تمايز في أبعاد المصالح لديها ومن أين تبدأ وأين تنتهي، ليستقر الرأي عند تخوم الروس والصينيين، وإلى حد ما بعض الدول الأوروبية التي أدركت جيداً سعي إيران إلى استثمار ذلك، وهو ما صرحت به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبل أيام خلال اجتماعها بالرئيس بوش. فمن الحرب الاقتصادية بين بكين وواشنطن، والصراع الدائر في جنوب القارة القديمة إلى موضوع منظمة التجارة العالمية وروسيا والدور الأميركي الساعي إلى إجهاض الجهود الروسية في ذلك، ومروراً بالأمن القومي الروسي المهترئ في الجمهوريات السوفياتية السابقة بسبب النفوذ الأميركي في جورجيا وأوكرانيا، تبقى الأمور مستوية بالنسبة إلى الإيرانيين لكسب نقاط في هذا المجال.

أضحت المناطق الآمنة في منطقة الشرق الأوسط مطلباً مهماً بالنسبة إلى الدول المستوردة والمصدرة وأيضاً بالنسبة إلى الشركات الضخمة، وبالتالي إذا ما قيست المناطق الملتهبة في أفغانستان وجزء من باكستان وأيضاً تركيا والعراق، فإن الأراضي الإيرانية تصبح أرضاً آمنة لتمرير مشروعات اقتصادية حيوية كإيصال الغاز إلى الهند والصين.

معركة التفاوض بين إيران والدول الغربية مرشحة للتصعيد ولكن بشكل محسوب ودقيق جداً حتى وإن أُعيد الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، وخصوصاً أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تطورات مهمة بعد العدوان الصهيوني على لبنان، وبالتالي فإن خلطاً للأوراق بشكل جنوني سيكون حاضراً في المرحلة المقبلة

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1411 - الإثنين 17 يوليو 2006م الموافق 20 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً