العدد 1411 - الإثنين 17 يوليو 2006م الموافق 20 جمادى الآخرة 1427هـ

الوقت صعب والشجاعة مطلوبة

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

أحد المآخذ الكبيرة في السياسة العربية هو السكوت عن الأخطاء عندما تقع، وكان من أكبر الأخطاء التي وقعت في السنوات الأخيرة، الأخطاء القاتلة الذي ارتكبها نظام بغداد السابق، حتى تراكمت إلى أن أصبحت بغداد اليوم كما أراد لها اعتى أعدائها تكاد لا يبقى فيها حجر على حجر! بالمعنى المجازي للتعبير.

الخطأ الذي ارتكبه حزب الله في التوقيت والطريقة أصاب لبنان في مقتل، بل ويهدد بحرب إقليمية كبرى تذكر، من يريد أن يتذكر، ببداية الحرب العالمية الأولى عندما قتل ولي عهد النمسا، فأصبح قتل رجل واحد بداية شرارة تفاعلت حتى انتهت بإيقاد نار الحرب العالمية الأولى، وقتل ملايين من البشر في تلك الحرب، بل إن بعض المؤرخين يرون أنه حتى الحرب العالمية الثانية، على فظاعتها ووحشيتها، هي نتيجة مباشرة للحرب الأولى.

لذلك فإن الوقت وقت مصارحة ووقت بذل شيء من التفكير العاقل، بدلا من الولوج في أتون صخب كلامي لا طائل منه.

لذلك فإن البيان الذي صدر في المملكة العربية السعودية عن حوادث لبنان الأخيرة، هو بيان عاقل وحصيف وشجاع. فقد وضع النقاط على الحروف عندما أشار إلى دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية عندما تحتاج حقا إلى الدعم، وكما يحدث الآن في فلسطين، إلا أن من حق الإخوة في حزب الله، أن يقال لهم إنهم اخطأوا التوقيت والظرف الزماني وقراءة المتغيرات الدولية، وكانت الحسابات خاصة بهم لا بغيرهم.

ما يحدث في فلسطين يدمي القلب وما يعانيه الأسرى اللبنانيون وغيرهم في فلسطين وغيرها من السجون، هو عمل غير إنساني، إلا أن الرد وتوقيته على لبنان والمنطقة ينبئ بخطورة شديدة. هذه الخطورة ليست بسبب قوة «إسرائيل»، ولكن بسبب أمر آخر، وهو أنه لا يجوز أن يستفرد فريق في وطن ما بتقرير ما يجب على كل أهل الوطن أن يدخلوا فيه ويعانوا منه، وخصوصاً إذا كان الأمر هو بخطورة الحرب والسلم التي هي بيد الدولة لا بيد غيرها.

أصوات لبنانية عاقلة ظهرت إلى الإعلام تقول إن الوقت ليس وقت اللوم أو الحساب، هذا ما قاله وليد جنبلاط وما قاله سعد الحريري وآخرون، إلا أن البعض في لبنان كان له رأي آخر وهو اللوم الشديد لحزب الله على ما فعل، إذ عرّض غير المستعدين من أهله وبني وطنه إلى أخطار جسيمة من دون أن يؤخذ رأيهم أو يستفتوا في ذلك.

بعض لبنان أصبح رهينة لبعضه الآخر، تلك هي الصورة العامة، فأما أن تقبل بما أقرر أو أنك تغرد خارج السرب على أقل تقدير، هو أمر لا يقبله العقلاء ولا تقبله لعبة الديمقراطية أيضاً.

السلطة الفعلية في أي دولة متحضرة هو مجلس الوزراء، والمرجعية في الدول الديمقراطية هي المجالس المنتخبة من الناس، والغالبية هي التي تقرر الأمور العامة في جو توافقي. التصعيد الذي تم افقد لبنان مناعة. فلم تعد المرجعية قانونية وعقلانية، ولم تعد الدولة لها قيمة في الداخل أو الخارج، أصبح الصوت الأعلى للبندقية خارج إطار الدولة، وهو اخطر ما يمكن أن يواجه مجتمعاً.

كنف الدولة هو المكان الحقيقي الذي يجمع الشعب أي شعب، والشعب اللبناني لم يكن تنقصه عوامل إضعاف الدولة. إذا كان هناك من يقاوم «إسرائيل» فإن تركيبة لبنان السياسية والسكانية والفئوية هي آخر المؤهلين للمقاومة، إذ يتعرض النسيج اللبناني إلى التمزق من دون رجعة.

يعجب الإنسان بشجاعة المواطن اللبناني، إلا أن علينا أن نتذكر أن لبنان الوطن يضم بين دفتيه أربعة ملايين إنسان، ويسيح في العالم الواسع نحو عشرة ملايين لبناني في أرجاء الأرض من شرقها إلى غربها طلبا للعيش الكريم. حوادث مثل التي تحصل اليوم في لبنان تدفع الباقين من أهله للتفكير في هجره، إذ تضعف الدولة إلى درجة أنها لا تستطيع أن تمسك بمفاتيح الحرب والسلام حول حدودها، فكيف لها أن تمسك بمفاتيح اقل أهمية.

العدوان الإسرائيلي هو عدوان استفزازي لا يبرره كل ما حدث، إذ تعرض المسالمون في الطرقات والمنازل وفي مركباتهم إلى القتل، بل قتل الأطفال في مراقدهم والشيوخ في أسرتهم، كما تعرضت البنية التحية التي تخدم كل اللبنانيين إلى خراب مدمر. كما هي حسابات الخطف خاطئة، حسابات «إسرائيل» خاطئة؛ فإن الرهان على تفكيك النسيج الاجتماعي اللبناني، وأن يقوم بعضه ضد بعضه، فشل حتى الآن. وربما تكون الحسابات هذه خلف صرف النظر في المجتمع الدولي عن التحرك السريع لإنقاذ الإنسان اللبناني من ركام الآلة العسكرية الإسرائيلية. حقيقة الأمر أن «إسرائيل» تخسر معركة الرأي العام العالمي، مهما ربحت من خلال حجم النيران التي ألقيت على الشعب اللبناني.

السؤال الصعب هنا هو: هل يعود لبنان كما كان قبل الثاني عشر من يوليو/ تموز بعد أن تصمت المدافع ويقف أزيز الطائرات؟ هذا هو السؤال الذي يتحدى الجميع وعلى رأسهم اللبنانيون أنفسهم

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1411 - الإثنين 17 يوليو 2006م الموافق 20 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً