حكومة الكويت عندما قررت حل مجلس الأمة في شهر مايو/ أيار الماضي بقرار متسرع اعتقدت في لحظة من اللحظات أنها تضع نهاية صحيحة لوضع متأزم في الكويت. لم تكن تعلم حينها أنها أزمت الوضع بدرجة أكبر مما كان عليه سابقا، ولم تكن تعلم حينها أن هناك إرادة شعبية متأهبة ومستعدة للرد على الحكومة، وكلنا يعلم أن الذي يحاط بالمصاعب يتأثر كثيرا بوضعه للحلول لأنه يكون تحت الضغط وبالتالي لا يمكنه التفكير بشكل عقلاني ويغلب عليه الجانب الانفعالي، وإلاّ لكان الأجدى أن تحل الحكومة المعينة وتعمل على إعادة تشكيلها من جديد، ولاسيما أن هناك الكثير من الوزراء ضمن التشكيلة غير مقبولين شعبياً، وينظر إليهم بأنهم وزراء التأزيم، بدلاً من حل مجلس الأمة المنتخب التي دائماً ما يراهن عليه.
الحل الذي قدمته الحكومة بحلها مجلس الأمة أتى بنتائج إيجابية لصالح إرادة الشعب التواقة للإصلاح وبنتائج سلبية لإرادة الحكومة، التي تختزن ما تختزنه من مشاعر وسلوكيات ديكتاتورية، فبدلا من حل الأزمة بخطوة اضطرت حينها إلى حلها بخطوتين، معتمدة في ذلك كسب المعركة من خلال شراء الذمم بالمال السياسي من خلال دعم الوجوه الفاسدة إلى مجلس الأمة، ليكونوا عوناً للحكومة في خطواتها اللاحقة.
ولكن اتضح بجلاء أن المال على رغم أهميته لا يمكن الركون إليه إذ إن الحكومة لم تفلح في شراء الأسماء الفاسدة على رغم ما صرفت عليهم من أموال كبيرة، والأهم من ذلك الإصلاح السياسي حينما يأتي تأتي معه الإصلاحات كافة بما فيها الإصلاح الاقتصادي، الوعي المجتمعي والنضج السياسي التي تحقق لأبناء الكويت لم تشخصه الحكومة الكويتية تشخيصاً دقيقاً فضاعت حساباتها ، فكان عليها دفع ضريبة ما سعت إليه بمزيد من المرونة والصبر على ما أفرزه المجلس الحالي من نواب إصلاحيين، بدليل أنه قبل حل المجلس كان هناك ما يقارب 28 نائباً معارضاً إصلاحياً من أصل 50 لم تستطع حينها الحكومة السيطرة على الوضع واضطرت إلى حل المجلس لإعادة التوازن في محاولة بائسة لتقليل العدد. أما المجلس الجديد فيتضمن 33 أو قل 35 نائباً معارضاً إصلاحياً.
الوضع الحالي أكثر قسوة من ذي قبل، وعلى الحكومة أن تفكر ملياً في تبديل أساليبها، وعليها أن تزيد من التعاون، أو أن تسعى إلى تقديم مزيد من التنازلات المعقولة وإلا فإن المواجهات القادمة ستستمر وستصل ربما إلى محاولة كسر العظم.
ومن المتوقع بحسب ما يراه المراقبون أن مجلس الأمة الجديد لن يستمر طويلا، بل أنه في أحسن الأحوال سيمتد إلى سنتين مقبلتين فقط، وأفضل خيار تقدمه الحكومة إذا ضاقت به ذرعاً، هو حل المجلس، فهي مضطرة على كل حال إلى الاستجابة لمطالب الشعب. وأعتقد أن هذا درس مفيد جداً للكويتيين وللبحرين أيضاً، وعلينا من دون مواربة الاستفادة من الدرس الكويتي.
أيضاً الحكومة، وبفعل الإرادة الشعبية، اضطرت إلى الاستجابة للمطالب الشعبية فعملت على تغيير ثلاثة وزراء كانوا في التشكيلة السابقة، وأبقت بعض الوزراء في مناصبهم على رغم تهديدات وتوعدات النواب باستجوابهم، ودعمت الخرافي المحسوب على خط الحكومة ليكون رئيساً لمجلس الأمة إذ حصل على 36 صوتاً مقابل 28 للنائب الاصلاحي المعارض أحمد السعدون.
في الوقت ذاته أقرت في الجلسة الأولى لمجلس الوزارء تحويل الكويت لخمس دوائر انتخابية، أي أنه تحققت رؤية الثورة البرتغالية (نبيها خمسة) رغبة منهم في محاربة الفساد، كل ذلك يدخل في خانة المناورات السياسية.
ومقاربة بسيطة بين الكويت ووضعنا في البحرين وخصوصا أن همنا واحد ومشكلاتنا وقضايانا أيضاً واحدة، المجلس النيابي المقبل ومن بعد إعلان القوى السياسية المقاطعة المشاركة في الحياة النيابية لن يكون مختلفاً بأي حال من الأحوال. ومهما حاولت الحكومة التدخل والمزايدة لن يكون مختلفاً عما هو عليه الآن في مجلس الأمة الكويتي، وبالتالي إذا استمرت الحكومة في العناد والمكابرة والصد والجمود والمراوغة واستخدمت الأساليب القديمة نفسها وابتعدت عن أساليب الحوار والمناورات السياسية والمرونة السياسية التي ترطب الأجواء وتلطفها، فليس بعيداً أن يحل المجلس النيابي، حينها سيتضرر مسار المشروع الإصلاحي.
الآن... وبحسب القراءة الحالية نتيجة عدة أمور غير واضحة من مثل: عدم الإعلان حتى الآن عن مواعيد الانتخابات، إلى جانب الدوائر الانتخابية وطبيعتها، وإصرار الحكومة على استخدام التصويت الالكتروني رغبة منها في تطوير الديمقراطية كما تقول، على رغم أن تجربة الكويت الديمقراطية امتدت لقرابة نصف قرن ولكنها إلى الآن لم تدّعي الحكومة الكويتية رغبتها في التصويت الالكتروني، ونحن تجربتنا التي لا تقاس إلا بتجربة دورة انتخابية واحدة ولكن تصر الحكومة على الدفع بالتصويت الالكتروني على رغم اهتزاز الثقة بين الطرفين، فإن تطوير الديمقراطية لا يتأتى من خلال استخدام التقنية والتكنولوجيا فقط وإنما يتم -وهذا هو الأهم- من خلال الشفافية والنزاهة والوضوح من الجانب الرسمي، ومن أراد أن يطور التجربة الديمقراطية فمن الحري به أن يعلن وبكل شفافية ووضوح عن مواعيد الانتخابات و يكشف عن المعلومات المتعلقة بالدوائر الانتخابية، ودعونا من الأسلوب العتيق الذي نتكلم فيه عن شيء ولكن ممارساتنا تحكي شيئاً آخر مختلفاً كل الاختلاف، فالشعوب نضجت وتعي وتقرأ الإشارات والرسائل الصادرة.
بريطانيا على سبيل المثال ديمقراطيتها تمتد لقرون، لكنها لم تعهد إلى التصويت الإلكتروني، أميركا البلد الصناعي الأكبر في العالم، لم تستخدم التصويت الإلكتروني إلى جانب التصويت اليدوي، فتمسكنا بالتصويت الإلكتروني يعني أن هناك نوايا وغايات دفينة لدى الحكومة تعمل على استيفائها (لغاية في نفس يعقوب).
من حرصٍ أقول: دعونا نستفيد مما يجري حولنا، وليكن الدرس الكويتي القريب درساً مفيداً لحكومتنا وللمواطن البحريني، فهل نكون مدرسين مجدين مخلصين وطلاب علم نجباء؟ نأمل ذلك
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1411 - الإثنين 17 يوليو 2006م الموافق 20 جمادى الآخرة 1427هـ