آخر مؤشرات الموقف السوري من العدوان الإسرائيلي على لبنان، كان اتصال الرئيس بشار الأسد بالرئيس اللبناني اميل لحود، إذ أكد تضامن سورية مع الشعب اللبناني في الظروف الراهنة، ووضع إمكانات سورية في تصرف الدولة اللبنانية، ولاسيما لجهة إسعاف الجرحى ومعالجتهم، وتأمين المواد الطبية والأدوية اللازمة، وكذلك توفير المواد اللازمة لإعادة بناء الجسور المدمرة، كما أكد اهتمام سورية باللاجئين اللبنانيين إلى سورية واعتبارهم كالسوريين، ومنحهم كل التسهيلات اللازمة. وفي سياق الموقف السوري، أكدت القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم دعم دمشق المقاومة اللبنانية في ختام اجتماع حضره أمناء فروع حزب البعث برئاسة محمد سعيد بخيتان الأمين القطري المساعد للحزب، تم خلالها بحث التطورات الناجمة عن تصعيد العدوان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان والحرب الشاملة وإرهاب الدولة الذي تمارسه «إسرائيل» بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، وحيت القيادة القطرية الشعب اللبناني ومقاومته، و«أكدت جاهزية الشعب العربي السوري ودعمه المطلق للشعب اللبناني ومقاومته البطلة لاستمرار الصمود والتصدي للعدوان الوحشي الإسرائيلي وجرائمه».
وجاء اتصال الرئيس الأسد، وتأكيدات القيادة القطرية لحزب البعث في سياق موقف سوري تقليدي ومتوقع في إعلان دعم لبنان والمقاومة اللبنانية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، لكن الموقف رافقته إشارات لا تخلو من معنى، كان أولها تصريح أطلقه نائب الرئيس فاروق الشرع، أكد فيه استقلالية قراري حركة حماس وحزب الله، وقال فيه: إن «القول الفصل هو للمقاومة في فلسطين وجنوب لبنان وهما يقرران ماذا يفعلان ولماذا؟»، والثاني هو تصريح أطلقه السفير السوري في لندن سامي الخيمي، أبعد فيه دمشق عما يجري من تطورات عاصفة، مؤكداً أن لا دور لها فيه، وركز على أن دورها الممكن وقف العنف والمساعدة في تبادل الاسرى، ولعل دلالات الاشارتين، هو ابعاد المسئولية عن سورية فيما يحدث في لبنان في اجراء يكون هدفه الضمني القول إن الاتهامات الإسرائيلية - الأميركية عن دور لسورية فيما يشهده لبنان لا معنى لها، وليست حقيقية، وتجاهلت العاصمة السورية هذه التهديدات بصورة واضحة، وان كانت من الناحية العملية لا تستطيع تجاهلها، ولاسيما في ظل تسريبات إسرائيلية عن احتمال قيام «إسرائيل» بشن هجمات ضد أهداف سورية.
غير أنه وفي ظل هذا الموقف الذي يكرس سياسة سورية تقليدية، تظهر في العاصمة السورية أجواء عدم توافق سوري مع مواقف عربية غالباً ما كانت قريبة من الموقف السوري وخصوصاً الموقفين السعودي والمصري. ذلك انه وبعد التصريحات السعودية التي اعتبرت ما قام به حزب الله (من دون ان تسميه) مغامرات، مهدت للحرب الإسرائيلية الجارية على لبنان، أظهرت الأوساط السورية ضيقها بالموقف السعودي، ثم اتخذ الأمر بعداً آخر، عندما انضمت الكويت ودول خليجية أخرى، ثم مصر والأردن في اعقاب القمة المصرية - الأردنية إلى الموقف السعودي، ما شكل محوراً مهماً في السياسة العربية، لا يتوافق مع موقف دمشق في وقت يستعد فيه وزارء الخارجية العرب لعقد اجتماعهم لبحث العدوان الإسرائيلي على لبنان، وكان ذلك مؤشراً إلى ما اعتبرته أوساط سياسية في دمشق موقفاً عربياً ضعيفاً ومنقسماً، لن يستطيع حمل موقف عربي قوي، يكون من نتائجه دفع مجلس الأمن لادانة العدوان والمطالبة بوقفه ثم بدء مفاوضات، ثم تبادل للاسرى كما تأمل دمشق وحزب الله. ويبدو ان الافتراق في الموقف السوري (الذي تناصره بعض الدول العربية) مع مواقف السعودية ومصر والاردن دفع نحو هجمات اعلامية، ظهرت في المواقع الالكترونية السورية، وتوزعت الهجمات ما بين مقالات مكتوبة، ظهرت في «شام برس» و«سيريانيوز» بينها ما كتبته اللبنانية ماريا معلوف والسوري نضال معلوف، فيما ذهبت تعليقات القراء إلى الأشد في الهجوم على عدد من الدول العربية وعلى «العرب» عموماً.
وعلى رغم أنه لا يمكن اعتبار هذه الهجمات بمثابة موقف رسمي، فإنها ذات دلالة في مواقع إلكترونية قريبة ومقربة من السلطات السورية، كان بعضها توقع «حدوث ملاسنة سعودية - سورية في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير قبل انعقاده»، لكن الأهم هو سؤال فيما اذا كانت سورية فعلاً راغبة في تكريس سياسة بعيدة وربما متناقضة مع سياسة كل من المملكة العربية السعودية ومصر، اللتين حرصت دمشق على التواصل والتنسيق معهما بصورة مستمرة طوال السنوات الماضية، وقدما لها كثيراً من الدعم والمساعدة.
لقد أظهرت عدة دول عربية في الآونة الأخيرة استيائها من التقارب السوري - الإيراني، ثم ها هي تعارض سياسات وممارسات حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية الحليفين المعلنيين لسورية وإيران، فيها يكون ذلك الفصل الأخير في انقسام عربي في وقت يحتاج فيه العرب إلى التقارب، إذ لم نقل إلى وحدة الموقف وخصوصاً ازاء ما يجري في لبنان وفلسطين؟
العدد 1410 - الأحد 16 يوليو 2006م الموافق 19 جمادى الآخرة 1427هـ