مازالت أسئلة عدة تحيط بعملية قتل الزرقاوي، العقل الإرهابي المدبر الذي وضعت على رأسه مكافأة تساوي تلك على بن لادن: كيف تمكنت الولايات المتحدة بالضبط من تحديد مكانه؟ كيف تمكن من الإفلات من هجمتين سابقتين بصواريخ ذكية موجهة؟
بعد موت الزرقاوي مباشرة سافر الرئيس بوش سراً إلى العراق، وقال إنه يبحث عن قدرات قيادية وتصميم وعزم ورغبة في الفوز، والنتيجة التي توصل إليها: «ذلك هو ما وجدته في العراق». والسؤال الأهم الآن هو ما الذي يحصل بعد ذلك؟
العملية أكدت من دون رحمة قدرة الجيش على القيام بمهمته التقليدية بالبحث والتدمير. ولسوء الحظ، ذلك ليس كافياً للفوز في العراق، فليس للولايات المتحدة الخيار سوى النجاح في إعادة إعمار العراق وبنيته الأساسية وإخماد العنف الطائفي وإقناع العراقيين بأن حكومتهم قادرة على الحكم. وعلى رغم أن قتل الزرقاوي هو تأخر محبذ يأتي بعد ثلاث سنوات من النكسات المتواصلة، إلا أنه لا يعني شيئاً إذا لم يشكل نقطة انطلاق لإعادة تنشيط الإعمار وعودة الأمن إلى هذه الأمة المحطمة.
مثلهم مثل شعب أفغانستان، الشعب العراقي منهك من العنف القاتل، وهذا الشعور هو على الأرجح ما ساعد على تجنب حرب أهلية شاملة. قد تستمر الفصائل الرئيسية الثلاث في العراق في الحفاظ على خلافاتها السياسية الشديدة، إلا أنها تمتلك مجالاً واحداً من الإجماع الكامل: الرغبة ببعض السلام والهدوء.
الإرهابيون أو المحاربون ضد الجيش الأميركي أو القوات التي يقودها الأميركيون - ليس بلا أثر إلى حد بعيد، ليس لأن الشعب يدعم طرفاً ضد آخر وإنما لأن هناك عدم رضا واسع بالأطراف المتحاربة وقدرتها على تحقيق النظام. وحتى يتسنى لأميركا تحقيق أهدافها في العراق - وهو أمر يعتمد عليه الأمن العالمي - يتوجب على قواتها أن تسير على خيط رفيع: أن تحارب بقسوة القوى المعادية للاستقرار دون عزل قوى التقدم بين أفراد الشعب.
وحتى يتسنى لها ذلك، يجب على الولايات المتحدة وغيرها من الدول أن توفر المزيد من الأموال لإعادة الإعمار وإشراف أوسع وأعمم على كيفية إنفاق هذه الأموال في الإعمار. إضافة إلى ذلك يجب عليها التأكد من أن قوات الأمن العراقية - التي تشارك في الميليشيات وتقوم بعمليات تعذيب بحسب روايات عدة - تدار بطريقة أفضل.
والأهم من ذلك كله هو أن يشارك المواطنون العراقيون العاديون في عملية إعادة الإعمار، فمن المهم أن يطور العراقيون حصة شخصية في عراق المستقبل المستقر الديمقراطي، ليس فقط عن طريق الانضمام إلى الجيش وقوات الأمن وإنما من خلال إنشاء أعمال تجارية صغيرة وتطوير المجتمعات المحلية. وإذا تواصلت القوات الأجنبية بقيادة أميركا مع العراقيين فستنشئ خط اتصال مفتوح وتوفر قنوات حوار منتجة بدلاً من القنابل الموقوتة على جوانب الطرق.
سياسياً، يتوجب على الولايات المتحدة أن تبذل جهوداً أكبر للتمييز بين المقاتلين الأجانب كالإرهابيين من أتباع الزرقاوي، والمقاتلين المحليين وغالبيتهم من السنة. المجموعة الأولى لن تتوقف عن القتل حتى يفنى آخر «كافر» في العراق، فقد أعمتهم ترجمة مشوهة للإسلام حتى لم يعد هناك مجال للتفاوض. أما المقاتلون من السنة فمختلفون، ويجب معاملتهم كذلك. فهم لا يقاتلون الكفار وإنما المحتلين، وهم لا يقاتلون تحت ذريعة دينية وإنما بسبب واقع قاس. تماماً مثلما يقاتل الجنود الأميركيين أحياناً يوماً بيوم لحماية زملائهم من الجنود وليس لقضية وطنية سامية، كذلك يقاتل هؤلاء المقاومون أولاً وقبل كل شيء لحماية منازلهم وأفراد أسرهم ومحبيهم من التهديدات المنظورة. وباستثناء مجموعة من أنصار صدام حسين، فإن العنف هو نتيجة لخسارة السنة المفاجئة للسلطة وذعرهم الجماعي بشأن دورهم المستقبلي في الحكم. والمقاتلون معظمهم من الناس العاديين الذين يناضلون لإعالة أسرهم، وهم يشعرون بالإهمال، نتيجة لقناعتهم أن الغالبية الشيعية ستحرمهم بشكل تام من كل حقوقهم، فبالتالي حوافزهم على القتل نابعة من وضع يائس وليس من عقيدة إرهابية، وبإصلاح هذا الوضع تختفي هذه الحوافز.
لعمل ذلك، يجب على الولايات المتحدة والحكومة العراقية الجديدة أن تعمل مع مجموعات المقاتلين والتعامل مع شكاواهم. ومن المؤكد أن قدرة أميركا على مغادرة العراق مرتبطة بشكل لا يمكن الخلاص منه مع اشتمال هؤلاء المقاتلين في النظام الديمقراطي الجديد. فلن يتوقف العنف إلا إذا رأى المقاتلون قيمة جديدة في الاستثمار بالبنية الأساسية لبلدهم وليس في تدميرها. فالاحتفال التلقائي الذي حدث في العراق بعد مقتل الزرقاوي يثبت أن الحرب الطائفية ليست هي الخيار الأول للشعب العراقي، بل إنها نتيجة للشعور الواسع المدمر باليأس والعجز، ويمكن قمع العنف فقط من خلال توفير المساعدة وإعادة الأمل.
بيل غلوكروفت
كاتب أميركي والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1409 - السبت 15 يوليو 2006م الموافق 18 جمادى الآخرة 1427هـ