العدد 1408 - الجمعة 14 يوليو 2006م الموافق 17 جمادى الآخرة 1427هـ

«الوعد الصادق» وتغيير قواعد اللعبة إقليمياً

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

عندما يصبح جبل عامل «كليم» غزة هاشم، يُحدثها بلغة كادت أن تنقرض من القاموس السياسي للعرب والمسلمين وهي لغة التضامن والتعاضد والتكافل، تستعيد الذاكرة التاريخية فجأة مضامين العهد الراشدي ولغة «الصادق الأمين» الذي حول بالوحي وسلوكيات الصدق والأمانة قبائل العرب المتناحرة والمتفرقة وأمم الشرق المتداعية آنذاك إلى أمة تفاخر بها الأمم، ألا وهي أمة الدعوة والتسليم لأمر الله.

إنها الرسالة الأهم التي حملتها عملية «الوعد الصادق» التي أنجزها بنجاح رجال المقاومة اللبنانية في الثاني عشر من يوليو/ تموز من شمال فلسطين إلى جنوبها الصابر المحتسب.

ليس هناك من شك بأن الهدف «التكتيكي» المعلن لهذه العملية النوعية بامتياز هو تحرير الرهائن والأسرى اللبنانيين وغيرهم من العرب والفلسطينيين المحتجزين زوراً وبهتاناً في معتقلات الجيش الغازي والمعتدي، لكن المعاني الاستراتيجية التي حملتها هذه العملية التاريخية بامتياز أبعد بكثير مما أعلن في لغة السياسة! والدليل على ذلك التداعيات الخطيرة التي أعقبت هذه العملية والتي فتحت المنطقة كلها من الصحراء العربية إلى ما وراء النهر والقوقاز على كل احتمالات الحرب الشاملة الممكنة.

إنها عملية سيثبت التاريخ أنها الموقعة أو الغزوة التي قلبت الموازين وأعادت خلط الأوراق وغيّرت معادلات اللعبة في فلسطين ومن حولها!

المشهد العام في سماء العرب والمسلمين لم يكن سليماً قبل عملية «الوعد الصادق»، إذ لا يمكن أن يُعقل بأن «هدى» وأخواتها تُذبح في شاطئ غزة هاشم، وبنت المحمودية الصبية البريئة الطاهرة تُغتصب على أبواب عاصمة الرشيد من قبل عصابات الكاوبوي المرتزقة فيما «العراقيون» يقتلون بعضهم بعضاً على الهوية الطائفية وعاصمتهم «الخضراء» تحتضن وزير الحرب رامسفيلد الذي يقول عنه أبناء جلدته إنه مجرم حرب يجب أن يُحاكم على جرائمه في العراق وأفغانستان وغوانتنامو، هذا فيما يتنادى «لبنانيون» من طوائف مختلفة إلى تكريم من أذله أبناء جلدته ووصفوه «بالثور الهائج» ورفض الكونغرس تعيينه سفيراً في الأمم المتحدة!

ثمة من يعتقدون أن كل ذلك لم يكن ليحصل لولا نفوذ وتمادي نفوذ عصابات الموساد في مسرح العلاقات الدولية وفي الميدان مباشرة وهم يُشرفون على مشاهد الفتنة المتنقلة منذ سقوط بغداد!

إذاً كان لابد لأحد ما أن يرتفع إلى مستوى المسرح المطلوب لتغيير مشهده العام بما يتناسب مع ما تستأهله شعوب المنطقة من موقع مشرف. وعليه، فإن ثمة من يعتقد استتباعاً، بأن العد التنازلي لنفوذ الموساد والتفرد الأميركي بمعادلات التغيير في المنطقة قد بدأ فعلاً بعد عملية «الوعد الصادق»، وأن المنطقة بالتالي ستشهد مفاجآت على أكثر من صعيد، سواء في المعادلة اللبنانية الداخلية التي حاول البعض أن يأخذ بها لفترة بعيداً عن فضاءات العروبة والإسلام تحت وطأة حادث اغتيال الحريري الملغوم! أو على صعيد معادلة السلطة والتركيبة السياسية في العراق أو معادلة الحرب والسلام في أفغانستان أو القوة والضعف في فلسطين وإيران.

بين جنوب فلسطين وجنوب لبنان يكاد تتلخص اليوم معادلة العام بكامله! بعد أن باتت المسافة الفاصلة بينهما عنواناً للكرامة والعدالة والحرية!

منطق القوة وقوة المنطق يتصارعان في ساحة مكشوفة على الملأ، والشاهد والشهيد هو من يرسم ملامح المرحلة المقبلة.

كل المفاهيم والمقولات والمصطلحات تأخذ تعريفها الحقيقي والواقعي اليوم من على أرض هذه المعركة الفاصلة.

على أرض جبل عامل وغزة هاشم ستحسم «حرب الكلمات» والمفاهيم والمقولات التي لطالما تحدثت عنها بعض وسائل إعلام العدو الحديثة الظهور في مسرحنا العربي والإسلامي، وهي تحاول إحداث البلبلة واللغط المتعمد والمقصود بين المقاومة والإرهاب، بين الضحية والجلاد، بين العنف الهادف لرفع الحيف والظلم والدفاع عن النفس وبين العنف الأعمى وإرهاب الدولة المنظم والجريمة المنظمة ضد الإنسانية وأحرار العالم، بين صاحب الحق والأرض وبين المغتصب والغازي والدخيل، بين المدني والبريء الحقيقي الآمن في بيته وملكه وحقله ومدرسته ومصنعه وبين «مرتدي» الملابس «المدنية» الذي يجوب بيوت اللهو ويدوس بأقدامه الغازية أراضي الغير وحقوقهم تمضية للوقت الضائع بين الحرب و«السلام» استعداداً لجولة حرب وعنف إجرامية جديدة.

ألم يقولوا للعالم وما يسمونه زوراً وبهتاناً بـ «المجتمع الدولي» وهي مجموعة الدول والقوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية و«الثالثة» من قبل إن المقاومة الفلسطينية إنما تقوم باستهداف من يُسمون بالمدنيين والأبرياء، ولذلك نحن نرد عليهم بالقصف وندخل حصونهم الإرهابية في المدن؟! بماذا يبررون اليوم قتل «هدى» وأخواتها في شاطئ غزة، واغتصاب بنت المحمودية الطاهرة وقتلها مع أفراد عائلتها على أسوار عاصمة الرشيد؟! أليس الجندي جلعاد هو من أُسر في عملية عسكرية بحتة مبررة ومكفولة للمقاومين بكل الأعراف والقوانين الدولية؟!

بماذا يبررون قتل عوائل بكاملها في عمليات حقد وانتقام بربرية وجاهلية بحق أبناء جبل عامل من المدنيين الآمنين في بيوتهم؟! أليس من حق المقاومين اللبنانيين القيام بأية عملية عسكرية لاستعادة أسراهم وأرضهم المحتلة، وهو ما يكفله القانون الدولي لهم ليس فقط فوق مزارع شبعا المحتلة بل وفي قلب تل أبيب، عاصمة الاحتلال والعدوان؟!

إنه التحايل والخداع ولغة التضليل والكذب والنفاق والدجل الذي شجعهم عليها هذا «المجتمع الدولي» البائس، الذي رفض حتى الآن وقف «فرعنتهم» فاضطر ثلة من المجاهدين والمقاومين إلى وقف «فرعون العصر» عند حده، فكانت عملية «الوعد الصادق».

إنها لغة جديدة لابد للعالم أن يعتاد عليها شيئاً فشيئاً، إنها لغة العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم. ولن يستطيع أحد مهما امتلك من أسلحة دمار شامل أو ترسانة نووية مهما كبر حجمها أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء بعد اليوم! فالعدّ التنازلي للخداع والتحايل قد بدأ، وأما الخط البياني للعهد الصادق والوعد الصادق فإنه في صعود، والقادم أخطر

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1408 - الجمعة 14 يوليو 2006م الموافق 17 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً