باعتبار أن التوحد أحد الأمراض النفسية التي يعاني منها نفر قليل من البشر وخصوصاً فئة الأطفال والناشئة، لكنما هناك حال خاصة من التوحد غير المنسوب إلى مرض نفسي ولا أي حال مرضية أخرى، هذه الحال التي اخذت تتسع على نطاق واسع وخصوصاً في الوسط الثقافي، والشعراء من ضمن هذا الوسط.
حال العزلة للشاعر في كثير من الأحيان هي عز... له، وخصوصاً إذا أتت بقرار وتصميم من الشاعر نفسه بعد أن تتحكم ظروف استثنائية في خلخلة أساس الانتماء إلى هذا الصرح أو ذاك وتتبدل تلكم الطموحات والآمال المعول عليها إلى احباطات واخفاقات لا تخلو أحياناً من تهكم بقصد أو بغير قصد من فئة تدعي الثقافة والثقافة منهم براء، إذ إنهم لا يؤمنون إلا بالوصولية وتنفيذ أوامرها من دون مناقشة، وهذا طبعاً لا ينطبق على صرح معين بل كثير من تلكم التجمعات الثقافية لديها من يؤمن بـ «أنا ومن بعدي الطوفان».
أصبحت حال العزلة كهنواً آخر لشعراء قلما يقال عنهم رهبان في صوامع، تستهويهم حال الاسترخاء والانفراد لأنها تشعرهم بقوة الإيمان بتجربتهم وتباعدهم عن مزالق الدخول في مصادمات تسوء لتلك التجربة الموغلة في معنى الشعر، العائمة في صدق الشعور والمتشحة بأجمل المعاني والكلمات.
العزلة بالاختيار هي مسار آخر يسكنه الصدق مع النفس أكثر حتى من الصدق مع الآخرين، وهذه حقيقة استسقيتها من تجارب شعراء فضلوا ارتداء رداء الاعتكاف مع النفس بعد جملة من انعكاسات عايشوها وردة فعل غير معلنة ضد إرهاصات الساحة، ولأنها لا تستطيع ان تجاري وضعاً مريراً بل مريض حد اليأس من علاجه، ولا أدعي في نفسي عزلة جازمة لأني مازلت أحد المتصلين برابط (كشعرة معاوية) مع كثير مما نطلق عليه منابر ثقافية... لا ينبغي لهذه الشعرة أن تلامس حدا قاطعاً لقناعة خاصة احتفظ بأسبابها لنفسي، وما عدا ذاك فالعزلة إحدى هواياتي المنزلية اليومية التي أمارسها هرباً من شقاوة أطفالي الذين لا يكلون من افتعال الشغب الطفولي البريء، بينما في الجانب الآخر لايزال شغب الكبار يفتعل بصمت تنفيذاً لنظرياتهم المشبوهة وها هي تؤتي أكلها (الخمط) كل حين بسقوط ثمرة تلو الأخرى وتجاهلها مع سبق الإصرار والترصد.
هناك أسباب للعزلة الآنية سنتطرق إليها في قراءات أخرى لوضع الساحة
العدد 1408 - الجمعة 14 يوليو 2006م الموافق 17 جمادى الآخرة 1427هـ