ولدت حوادث مدينة نيو مكسيكو قبل نحو شهرين نقاشات كثيرة بشأن مشكلات الأقليات في الولايات المتحدة وقضايا الهجرة غير المشروعة التي ولدها وجود تلك الأقليات وواقعها في الولايات المتحدة سواء كان وجود تلك الأقليات شرعيا أم غير شرعي. وبدأت تطالعنا الكثير من الإحصاءات التي يحاول أصحابها تسيير أرقامها لصالح مواقفهم.
ومن بين المؤسسات المحايدة التي أدلت بدلوها في هذا المجال، كان مكتب إحصاء السكان الأميركي الذي أعلن انه خلال هذا العام يوجد واحد من كل ثلاثة من سكان الولايات المتحدة يصف نفسه بأنه ينتمي إلى «أقلية».
وجاء في نشرة صادرة عن مكتب إحصاء السكان ان المتحدرين من دول ناطقة بالإسبانية شكلوا نصف الزيادة تقريباً في عدد السكان في الفترة الممتدة من 1 يوليو/ تموز 2004 إلى 1 يوليو 2005. وقد بلغت الزيادة في عددهم 1,3 مليون نسمة (3.3 في المئة) خلال تلك الفترة، كان 800 ألف منهم نتيجة الزيادة الطبيعية الناجمة عن الولادات في حين كان 500 ألف منهم نتيجة الهجرة. وبلغت الزيادة في عدد السكان الأميركيين الآسيويين 421 ألف نسمة (3 في المئة) خلال تلك الفترة، كما ازداد أيضاً عدد الأميركيين السود والأميركيين الأصليين (الهنود الحمر) وسكان آلاسكا الأصليين وسكان جزر هاواي والمحيط الهادئ الأصليين.
وجاء في تقرير مكتب إحصاء السكان أن مجمل عدد سكان الولايات المتحدة في يوليو 2005 كان يبلغ 296,4 مليون نسمة، بينهم 42,7 مليون أميركي يتحدرون من دول ناطقة بالإسبانية، و39,7 من الأميركيين الأفارقة أو من الأفارقة والسود من هاييتي، الذين وصلوا في حقبة أقرب. وقال المكتب إن هناك 14,4 مليون أميركي آسيوي و4,5 أميركي هندي (أحمر) وأميركي من سكان آلاسكا الأصليين ونحو مليون من سكان جزر هاواي وجزر المحيط الهادئ الأصليين.
وقال مدير مكتب إحصاء السكان، لويس كنكانون إنه مع ازدياد عدد سكان الولايات المتحدة الذين ينتمون إلى الأقليات، ظهرت أيضاً زيادة كبيرة في عدد المشروعات التجارية والصناعية التي تملكها الأقليات. ويزيد هؤلاء التجار، أثناء سعيهم الحثيث لسد احتياجات جالياتهم، تأثير الأقليات على الحياة الأميركية.
وكانت صحيفة «الواشنطن بوست» قد ذكرت في شهر مايو/ أيار من العام 2006 أن نصف الأطفال الذين لم يبلغوا الخامسة من العمر بعد، هم أطفال من الأقليات العرقية أو الإثنية.
يشار إلى أن إحصاء العام 2000 كان أول إحصاء يتيح للأميركيين فرصة تحديد هويتهم على أنهم يتحدرون من «خليط عرقي» أو «خليط إثني».
والجدل الدائر الآن في صفوف مؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة بشأن الأقليات مصدره الدور الذي يمارسه هؤلاء في الحياة الأميركية وخصوصاً في الاقتصاد الأميركي، فالبعض يؤكد أنهم وأحفادهم، يساعدون في دفع عجلة نمو عدد سكان الولايات المتحدة وحيويتها الاقتصادية أثناء تنشيطهم وإثرائهم خريطتها الثقافية. ويستند هؤلاء في حججهم إلى المؤهلات العلمية التي تحملها الأقليات.
فقد أصدر مركز «خدمة أبحاث الكونغرس» في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي دراسة متميزة عن وجود الطلاب الأجانب ببرامج دراسة العلوم والهندسة على مستوى الدراسات العليا بالجامعات الأميركية وعن الجدل الدائر داخل الولايات المتحدة حول هذه القضية.
ومركز «خدمة أبحاث الكونغرس» هو مركز أبحاث غير حزبي تابع للكونغرس الأميركي بدأ عمله في العام 1914، ووظيفته الأساسية هي إمداد أعضاء الكونغرس بالأبحاث العلمية التي يحتاجونها لصناعة قراراتهم بخصوص القوانين والقضايا المطروحة عليهم.
يشير التقرير إلى تزايد الجدل في الدوائر العلمية والسياسية الأميركية حول وجود الأجانب المكثف في برامج الدراسات العليا الخاصة بالعلوم والهندسة بعد أن باتوا يمثلون نسباً كبيرة بين الطلاب والأساتذة والخريجين المنافسين على الوظائف الأميركية.
ويقول التقرير إن وجود هؤلاء الطلاب يثير مخاوف مختلفة مثل المنافسة على وظائف الأميركيين بسوق العمل، وإحداث خلل بسوق العمل الأميركي بسبب قبول الأجانب لأجور وظروف عمل لا يقبلها الأميركيون، ولاعتبارات سياسية - زادت بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول - بسبب الخوف من ارتباط هؤلاء الطلاب بنظم دكتاتورية أو جماعات إرهابية قد تستخدم معرفتهم التي حصلوا عليها بالجامعات الأميركية في مجالات خطيرة ومدمرة كتطوير أسلحة الدمار الشامل.
ويشير التقرير إلى أن أميركا عانت خلال عقد الثمانينات من قلة أعداد العلماء والمهندسين بسوق العمل الأميركي، الأمر الذي دفع الكونغرس إلى تغيير قوانين الهجرة في العام 1990 بشكل سمح بمضاعفة عدد العلماء الأجانب القادمين إلى أميركا على تأشيرات عمل مؤقتة، وخاصة التأشيرة التي تسمى (ب-1) والخاصة بأصحاب المهارات النادرة، حيث رفع قانون العام 1990 سقف عدد التأشيرات التي يمكن منحها سنويا من 54 ألف تأشيرة إلى 140 ألف تأشيرة سنوياً.
وساعد انتعاش الاقتصاد الأميركي خلال عقد التسعينات على ترحيب أميركا بالخبراء والطلاب الأجانب في أميركا، ولكن بداية من العام 2000 صدرت تعديلات كثيرة لقوانين الهجرة ترددت بين الترحيب بالخبراء الأجانب وبين إعاقة قدومهم من خلال زيادة كلف التأشيرات وتعقيد شروط الحصول عليها، ويقول التقرير ان التعديلات الكثيرة التي أدخلت على قوانين هجرة الخبراء الأجانب خلال السنوات الخمس الأخيرة تعكس الجدل المحتدم داخل أميركا حول ظاهرة تزايد الوجود الأجنبي في مجالات العلوم والهندسة بسوق العمل والجامعات الأميركية.
هذا، إضافة إلى أن الطلاب الأجانب يمثلون نسبة كبيرة من العاملين بمجالات البحث (كمساعدين للأساتذة) بالجامعات الأميركية، وهي نسبة تصل للنصف تقريبا كما يشير التقرير في إحدى صفحاته.
كما يؤكد بعض مساندي هذا الاتجاه على عدم وجود تقارير محددة تبرهن على أن دخول الطلاب والخبراء الأجانب سوق العمل الأميركية يؤثر سلبيا على الخريج الأميركي.
وتجدر الإشارة إلى أن الأقليات العربية وبحسب إحصاءات مايكل سليمان، من جامعة ولاية كانزاس، يبلغ عددهم اليوم نحو 4 ملايين نسمة، بدأوا الوصول إلى الولايات المتحدة قبل أكثر من 130 سنة.
وأصبح الأميركيون العرب عنصراً رئيسياً في صناعة السيارات في منطقة دترويت وساعدوا في تنظيم نقابة عمال السيارات المتحدين (يونايتد أوتو ووركرز) في العام 1935. خريجي الجامعات العرب الأميركيين في العام 1967، وتلتها جمعية العرب الأميركيين القومية في العام 1972، واللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز في العام 1980 والمعهد الأميركي العربي في العام 1985.
ولم تتأثر أي مجموعة إثنية أخرى في الولايات المتحدة بالأحداث السياسية الجارية خارجها قدر تأثر الأميركيين العرب بها. ولكن أعضاء الكونغرس الـ 17 المتحدرين من أصل عربي، وكلهم تقريباً من اللبنانيين المسيحيين، لم يُنتخبوا على أساس برنامج سياسي أميركي عربي وإنما على أساس برنامج سياسي أميركي يمثل احتياجات المجتمعات المحلية والولايات التي يمثلونها.
كما جاء في تقرير واشنطن وهو خدمة إخبارية ومعلوماتية دولية مجانية باللغة العربية، يقدمها معهد الأمن العالمي World Security Institute وهو مؤسسة أميركية غير حكومية لا تهدف للربح، تقدم أخبارا وتحليلات وتحقيقات من داخل الولايات المتحدة على رغم أن حوادث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لاتزال تخيم بما أسفرت عنه من نتائج على واقع الجالية العربية في الولايات المتحدة، فإن العام 2005 قد حمل بين دفتيه آفاقا وفرصا جديدة للعرب الأميركيين في مجالات مختلفة.
لذلك يشكل موضوع الأقليات قضية شائكة أمام مؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة، فمن جهة تسعى تلك المؤسسات إلى تقليص تدفق موجات القادمين الجدد إلى الولايات المتحدة، وهي تسعى في الوقت ذاته إلى الحد من حضورهم السياسي والاقتصادي في المؤسسات المفصلية، لكنها على نحو مواز ومساو تلمس الثقل الذي باتوا يشكلونه. وليس الحضور في المؤسسات العلمية والمؤهلات الأكاديمية العالية التي باتوا يحملونها المشار إليها أعلاه سوى الخطوة الأولى على طريق تعزيز تلك الأقليات لمصادر نفوذها. مأزق الأقليات بات من القضايا التي تقض مضاجع واشنطن التي يبدو أن الخيارات المتاحة أمامها محدودة وليست بالضرورة مطابقة لتلك التي في أذهان صناع القرار
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1408 - الجمعة 14 يوليو 2006م الموافق 17 جمادى الآخرة 1427هـ