منذ القدم، سعت الحكومات بجميع أشكالها إلى تشكيل بطانة مختصة بنقل المعلومات المغلوطة إلى الشعب عبر ترهيبه تارة، وترغيبه تارة أخرى حسبما ترتأيه السلطة، أو حسبما يفرضه الوضع القائم.
ولذلك، عاشت الأقلام منذ فجر التاريخ خلف الزنانين بالنسبة لمن حملوا في كتاباتهم نهج الثورة على الظلم، فزج بهم النظام الحاكم في الحبس بتهمة التحريض على قلب الحكم وفي كثير من الأحيان كان كتاب الرأي يعدمون أمام الناس في الأسواق ليكونوا عبرة لكل من يعتبر. أما أقلام السلطة، فعاشت بين الحاشية تعلف من أكل القصر وتلهث وراء الدينار.
وبعد أن كانت القارة العجوز - أوروبا - تنتهك حق التعبير، وتعتبر نشر الكلمة جرماً يحاكم كل من يقدم عليه، وبعد أن كانت الكنيسة تمسك بزمام الأمور، وبعد أن كان العالم العربي والإسلامي خصوصاً مليئاً بالكتاب الذين نشروا الكلمة في كل أرجاء الأرض، انقلب الزمان والمكان، وتحولت أوروبا إلى محور القيادة عبر الكلمة وتحولت النظم السلطوية إلى العالم العربي الذي لايزال يعاني من آثار القمع والتسلط حتى بات التعبير عن الرأي من إحدى الكبائر التي تودي بصاحبها إلى الهلاك!
وانتهجت معظم الأنظمة في العالم العربي والدول النامية نهج حجب المعلومة الدقيقة عن الجمهور، بحجة الحفاظ على الأمن وعدم زعزعة أركان المجتمع! بل أمسكت هذه الدول بزمام الأمور وسلطت كتابها لنشر الدعاية بين أوساط المجتمع، وحين تطور الزمان عادت مرة أخرى وأمسكت بمقاليد الأمور في الإعلام الجماهيري بحجة ما يسمى بالإعلام التنموي الذي يعتمد على أخبار السلطة ومقابلاتها وبطولاتها وإنجازاتها على الصعيدين الدولي والمحلي، وبحجة أن معظم شعوب الدول العربية والدول النامية هي شعوب بحاجة إلى ملء بطونها قبل أن تملأ عقولها!
ولكن يبدو أن توجهات السلطة نحو «اغتيال الفكر» وقتل الكلمة وتجميد العقول لم تعد تجد نفعا مع تفتح الشعوب ووجود وسائل إعلام جماهيرية عالمية تكشف كل صغيرة وكبيرة في كل أنحاء العالم، وباتت السلطة أمام أمر واقع لا مفر منه.
وعلى رغم ذلك، لايزال الإعلام العربي عموماً يعيش ضمن منظومة من القيود من خلال قوانين الصحافة المجحفة، والقوانين الخاصة بأمن الدولة والطوارئ وقس على ذلك... بل اعتمدت الكثير من الدول العربية والنامية التي تعد نفسها من ضمن الدول الديمقراطية على قوانين مطاطة، فإذا اقترب الصحافي أو الإعلامي من معلومات تمس الصالح العام، أو تمس الأمن القومي أو النظام فعليه أن يعد العدة لمواجهة التهم والامتثال أمام المحاكم الجنائية التي لاتزال تلاحق الإعلاميين إلى يومنا هذا
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1408 - الجمعة 14 يوليو 2006م الموافق 17 جمادى الآخرة 1427هـ