العدد 1407 - الخميس 13 يوليو 2006م الموافق 16 جمادى الآخرة 1427هـ

قانون مكافحة الإرهاب يناهض الحريات ويتعارض مع مسار الإصلاح

جلال فيروز comments [at] alwasatnews.com

من المهم التوضيح أن قانون مكافحة الإرهاب يتعارض مع الهدف الأساس من مسار الإصلاح السياسي الذي كان من إنجازاته التخلص من قانون الطوارئ المسمى بقانون تدابير أمن الدولة، فالقانون صيغ صياغة فضفاضة تخرجه عن عنوانه وتفتح أبواب السجون واسعة لكل نشاط قد تحسبه الحكومة مخالفاً لتوجهاتها، وألخص محاذير القانون في المسائل الآتية:

ان القانون لم يعرف لفظة «الإرهاب» بحسب المفهوم الذي أقرته الأمم المتحدة، فهو لا يختص بالجرائم «الإرهابية» بالمعنى المتعارف عليه دولياً أي «استعمال العنف ضد مدنيين أبرياء»، بل يتعداه إلى أمور أخرى لا تدخل ضمن سياق الإرهاب، الأمر الذي يجعل منه لائحة جنائية موازية قد يجر إلى المزيد انتهاك الحريات وحقوق الإنسان تحت غطاء «مكافحة الإرهاب».

ان القانون يلقي بظل ثقيل من القيود على الحريات العامة، ويجعل أمن المواطن وسلامته على محك ضيق بتسهيل توجيه التهم إلى المواطن بالشبهة والظنة، ويزود الحكومة بسلطات شاملة غير مسبوقة في إصدار أوامر السيطرة بما فيها «الإقامة الجبرية» واستخدام وسائل التعقب والتجسس، ويمكن لهذه الأوامر أن تفرض قيوداً على الحقوق والحريات الأساسية التي يكفلها الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

ان القانون من شأنه توجيه التهمة إلى المواطنين على ما يكنونه ويفصحون عنه من آراء قد تخالف توجهات الحكومة أو تعارض قراراتها، ما يقمع أي توجه لانتقاد السلطة أو سياساتها.

يحرم القانون الناس من حقوقهم بتهم واهية استناداً إلى «أدلة» سرية، ويمكن الحصول عليها تحت وطأة الضغط أو سوء المعاملة، كما يحرم الناس أيضاً من حقهم في تقديم دفاع كامل، ويحد من فعالية إشراك القضاء في إعادة النظر في قرار السلطة التنفيذية.

المادة العاشرة من القانون أخرجت القانون كله من سياقه إذ تضمنت أموراً لا شأن لها بالإرهاب الذي يحدد وسائل معينة لارتكاب الجريمة الإرهابية كالسلاح والمتفجرات أو المعدات المستعملة في الاعتداء على الأشخاص أو الممتلكات، بينما ضمنت المادة الآراء والأفكار والخطب ضمن الوسائل الإرهابية.

وقد صيغت بعض مواد القانون بعمومية مخلة بحيث يمكن لأي وكيل نيابة اليوم حبس آلاف المواطنين بحجة أو أخرى، يمكن أن تنضوي تحت مظلة هذه المادة، وقد يؤخذ على أية ندوة أن مضمونها يحتوي على «دعايات مثيرة أو أفكار متطرفة» (كما في المادة 10)، أو أمر يمكن أن «يضر بالوحدة الوطنية».

كذلك يمكن تطبيق المادة السادسة على عشرات الآلاف من المواطنين المنخرطين في هيئات أو جمعيات لها رأي معين بالنسبة إلى الدستور الجديد، أو مجلس الشورى المعين بصلاحياته التشريعية مثلاً.

المادة 12 من الخطورة بمكان بحيث يمكن للمواطن أن يسجن خمس سنوات فقط لأنه تلقى عبر البريد أو الفاكس محرراً أو مطبوعة تتضمن أموراً يمكن للمدعي أن يقحمها ضمن الترويج أو التحبيذ على الإرهاب.

وتنص المادة 29 على «أن يصدر أمر الحبس من المحامي العام أو من يقوم مقامه لمدة أو لمدد متعاقبة لا يزيد مجموعها على تسعين يوماً... ولا تتقيد النيابة العامة في مباشرتها التحقيق وتحريك الدعوى في الجرائم المشار إليها في الفقرة السابقة بالقيود المنصوص عليها في المادة 21 من قانون الإجراءات الجنائية»، وبذلك تطلق المادة العنان للنيابة في حبس المواطن لمدد طويلة حتى بعد انتهاء متطلبات التحقيق. وكل ذلك مناف لمؤدى المادة 19 و20 من الدستور المقننة للحقوق والحريات العامة.

أما المادة 32 فتطلق يد النيابة العامة لإصدار أوامر تتعلق بتكثيف عمليات المراقبة والملاحقة، وكذلك التنصت على الهواتف، و«ضبط الرسائل بجميع أنواعها والمطبوعات والطرود والبرقيات، وبمراقبة الاتصالات بجميع وسائلها، وتسجيل ما يجري في الأماكن العامة» وحتى «الأماكن الخاصة»، وذلك مخالفة واضحة للمادة 26 من الدستور الناصة على أن «حرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية والإلكترونية مصونة، وسريتها مكفولة».

وتتضمن ترسانة القوانين القديمة الصادرة خلال فترة غياب المجلس التشريعي إضافة إلى القوانين المستحدثة مواد عقابية والبعض منها شديدة القسوة تغنينا عن بناء مخازن لقوانين أخرى لا يعلم مسالك وتبعات وعواقب تطبيقها إلا الله. فهناك المرسوم بقانون رقم «16» لسنة 1976 بشأن المفرقعات والأسلحة والذخائر، والمرسوم بقانون رقم «15» لسنة 1998 بالتصديق على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، والمرسوم بقانون رقم «4» لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال. ويكفي ما يحتويه قانون العقوبات لسنة 1976 وملحقاته لأن يقمع كل ما توجه له قانون الإرهاب الجديد. ومن جهة أخرى، فإن مؤدى القوانين وأهدافها لابد أن تنحصر في حفظ الأمن والنظام لا أن تكون منطلقاً ومدخلاً يمكن أن يطلق يد رجال الأمن لإحكام القبضة على الحريات وقمع الآراء والمعتقدات السياسية والفكرية.

والملاحظ أن القانون شديد القسوة ويشتمل على أمور فضفاضة يمكن استغلالها في التحرش بالأبرياء واستهداف المعارضة. وإن أرادت الحكومة مكافحة الإرهاب فإن ذلك لا يتأتى بهذا الإيراد، وإنما طريق ذلك هو مزيد من العدالة والمساواة وتكريس مبادئ التسامح والوئام والانفتاح والشفافية والحوار.

إننا في البحرين لم نشهد خلال تاريخنا أي عمل يمكن أن يصنف ضمن العمليات الإرهابية كالتي جرت في الدول الأخرى. والدول المجاورة التي تحدث فيها العمليات الإرهابية لم تسع لإدخال قوانين لمكافحة الإرهاب، فكيف تسعى البحرين الآمنة من هذه الشرور إلى سن هذه القوانين؟

هناك دول كبرى كفرنسا رفضت إصدار مثل هذا القانون على رغم تعرضها لعمليات إرهابية، ولكن يبدو أن هناك ضغوطاً تمارسها الإدارة الأميركية على البلدان العربية لإقرار مثل هذه القوانين، وهو أمر ينافي التوجه المعلن بأن يكون الإصلاح المرتجى استجابة لمطالب داخلية وليس نتيجة لضغوط خارجية.

إن العالم اليوم يتوجه نحو إلزام الدول بالاتفاقيات المعتمدة دولياً، وقد صدَّقت البحرين أو هي في طريقها إلى التصديق على الكثير من المعاهدات الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب، من جملتها المرسوم بقانون رقم «26» لسنة 2002 بالتصديق على معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي، والمرسوم بقانون رقم «9» لسنة 2004 بالموافقة على انضمام البحرين للاتفاق الدولي لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل. وقد أصبحت المملكة ملزمة بهذه المعاهدات التي دخلت ضمن المنظومة القانونية لنظامها القضائي.

إن أحكام مشروع قانون منع الإرهاب، في حال تطبيقها، ستؤدي إلى ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد المواطنين، ولا يكفي القول إن القانون يطبق على الإرهاب الموجه من الخارج ولا يطبق على المواطنين، إذ يمكن في وقت لاحق قراءة هذا القول بشكل عكسي حسبما يتماشى مع النظرة الأمنية، فإذا كنا نريد أن تكون البحرين دولة قانون، فلابد من تعريف الإرهاب ضمن صياغة القانون وبشكل واضح وصريح لا يقبل التأويلات. فالقانون يعد إبداء رأي أو استعمال شعار يرمز لشخص أو تنظيم تصنفه السلطات «إرهابياً» أو الدعوة إلى اجتماع أو مظاهرة أو كتابة مقال عملا إرهابياً.

ومن المفترض أن يتصدى المجلس النيابي لهذه القوانين الجائرة وغير الدستورية، فمجلس اللوردات البريطاني مثلاً وقف وقفة قوية أمام حكومة طوني بلير، ولم يمرر القانون إلا بعد أن أدخل عليه تحسينات كثيرة وأزاح عنه البنود المقيدة للحريات العامة وما يتناقض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. كما رفض المجلس الأعلى للبرلمان الهندي في مارس/آذار 2002 مشروع قانون مكافحة الإرهاب واعتبره مقيداً للحريات الدستورية.

أما عندنا في البحرين، فالمسألة تعتمد على قوة وصلاحية المجلسين. والواقع يشهد أن المجلسين لم يستطيعا أن يقاوما إرادة الحكومة، بل لم يستطيع المجلس النيابي أن يحاسب الحكومة على الفساد والسرقات التي حدثت في الأجهزة العامة، وخير مثال على ذلك قضية الهيئتين. وذلك راجع على الإعاقة والعجز اللذين يعاني منهما المجلسان نتيجة للتقييدات الدستورية والقانونية لصلاحياتهما وقدرتهما على محاسبة الحكومة

العدد 1407 - الخميس 13 يوليو 2006م الموافق 16 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً