العدد 1406 - الأربعاء 12 يوليو 2006م الموافق 15 جمادى الآخرة 1427هـ

تكلم جدعون... وسكت الآخرون!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي كتب مقالاً في صحيفة «هاآرتس»عن الانتهاكات الإسرائيلية التي تجري حالياً في فلسطين، أكد فيه أن عملية غزة عديمة الفائدة وغير مشروعة بصورة صارخة. يقول: «ما يحدث الآن هو عملية انتقامية واسعة النطاق كان الجيش الإسرائيلي والشاباك يرغبان في تنفيذها منذ مدة، وجوهر ما يحركها الآن هو الإحباط العميق الذي يغرق فيه قادة الجيش بسبب عجزهم عن مواجهة صواريخ القسام وحرب العصابات الجريئة التي يشنها الفلسطينيون». ويؤكد جدعون في مقاله ان ما يقومون به في غزة «يمثل أسوأ أنواع الإرهاب»، ويعجب كثيراً من الصمت المطبق الذي يمارسه العالم تجاه هذه الجرائم، يقول: «فالجنود يطلقون النار إلا أننا لا نطلق النار فقط في هذه المرة بل نقصف ونفجر ونقطع التيار الكهربائي وندمر ونفرض الحصار ونختطف مثل أسوأ الإرهابيين ولا يقوم أحد بخرق حاجز الصمت المطبق»، سائلاً: «لماذا كل ذلك، وبأي حق؟».

وإذا كان جدعون يستنكر الصمت المطبق على الجرائم اليهودية في غزة، فإن بعض الصحافيين العرب يخالف هذا الاتجاه ويرى كل الحق للصهاينة في ارتكاب مجازرهم، كما يرى أن صمت العرب عن هذه المجازر تصرف في محله فليس على العرب تقديم أي عون إلى الفلسطينيين، وحجته في ذلك كله أن حكومة حماس لم تستشر العرب قبل خطف الجندي الصهيوني! وتأمل جيداً كيف استخدم كلمة «خطف» التي يستخدمها الصهاينة وينفيها كل خبراء القانون لأنها «أسر» وليست خطفاً.

ويرى هذا الكتاب أنه ليس من حق أحد مطالبة أية حكومة عربية بالتحرك لنجدة الفلسطينيين، وأن على هؤلاء الفلسطينيين أن ينالوا عقابهم جراء ما ارتكتبه أيديهم. ولا أعتقد أنني بحاجة إلى المقارنة بين ما قاله جدعون وما قاله الصحافي العربي الذي امتلأ مقاله بالمغالطات المخجلة التي لن يصدقها حتى اليهود أنفسهم.

حماس وقبل أن تكون في الحكومة وافقت في اجتماع القاهرة على الهدنة مع «إسرائيل» وطبقتها نحو خمسة عشر شهراً، وفي هذه الأثناء اعتدى الصهاينة على رموز «حماس» وسواها مراراً، واستمر هذا الاعتداء بعد وصول حماس إلى السلطة في انتخابات حرة شهد لها العالم كله، فهل إذا دافعت «حماس» عن نفسها وعن المواطنين في فلسطين تعتبر معتدية ظالمة؟ أليس من حق كل إنسان أن يدافع عن نفسه؟ وهل هذا النوع من الدفاع يحتاج إلى استئذان مسبق؟

ثم إن كل من تابع الانتهاكات الصهيونية في غزة وسواها يدرك ببساطة أن هذه العملية لا علاقة لها مطلقاً بأسر ذلك الجندي، فهي أكبر منه بكثير وخطط لها قبل عملية الأسر بكثير، والهدف منها إسقاط حكومة حماس وإخضاع أية حكومة قادمة للأهواء الصهيونية... إن الصهاينة يدركون أن حكومة حماس لن تفرط في الثوابت الفلسطينية مثل: حق العودة والقدس، والمياه وسواها، ولذلك فهم لا يمكنهم التعايش مع هذه الحكومة التي لا تعطيهم كل شيء مقابل لا شيء، ولذلك كان لابد لهم من العمل بكل الوسائل على استبدالها بحكومة أخرى لا تقول إلا: نعم!

ولعلي أذكر هنا أن الحكومات العربية التي أقامت علاقات دبلوماسية أو تجارية مع اليهود كانت تعتمد في إقامة هذه العلاقات على مقولة انهم لن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم... فما دام الفلسطينيون قد أقاموا علاقات مع اليهود فما الذي يمنع هذه الدول من إقامة علاقات مماثلة؟

ومع يقيني أن تلك المقولة لم تكن صادقة لأنهم يعرفون الآن الأطراف التي دفعت حكومة فلسطين آنذاك إلى عقد تلك الاتفاقات، فإنني أتساءل الآن: لماذا لا يقطع هؤلاء علاقاتهم مع كل اليهود مادامت حكومة فلسطين الحالية تشجع على هذا الاتجاه؟ إن الشعب الفلسطيني يقف مع حكومة حماس، وحماس مع المقاومة، فإذا كان العرب يتناغمون مع أية حكومة فلسطينية فلماذا لا يقفون مع حماس ومع الشعب الفلسطيني في هذه المحنة التي يتعرض اليها؟!

«إسرائيل» ماضية في جرائمها مادامت لا تجد من يتصدى لها، القتلى بالعشرات من النساء والأطفال، والمنازل تُهدم بالصواريخ على رؤوس أصحابها، والبنية التحتية مازالت تتعرض للاعتداءات، وكذلك المدارس والجامعات ورياض الأطفال، فهل كل هذه الجرائم من أجل ذلك الجندي الأسير؟!

«إسرائيل» تمادت فاحتلت بعض المناطق الفلسطينية بحجة القضاء على الصواريخ الفلسطينية بدائية الصنع، أما الصواريخ الصهيونية التي تدمر كل شيء فمازالت تقتل وتدمر، فهل كل هذه الجرائم من أجل إطلاق سراح ذلك الجندي الأسير؟!

مرة أخرى، لا علاقة لذلك كله بهذا الجندي، فالذين يمارسون الاختطاف الحقيقي والمستمر هم اليهود، فهم الذين خطفوا العشرات قبل حادثة الجندي، وسجونهم مليئة بالمختطفين من الأطفال والنساء على رغم أنف كل القوانين الدولية، وسجونهم ضمت أخيراً نخبة من المسئولين الفلسطينيين من الوزراء والنواب وأيضاً على رغم أنف كل القوانين الدولية، وما يقومون به من اعتداءات تزيد حياة المجتمع الفلسطيني تعقيداً، يصادم كل القوانين الدولية التي لا يأبهون بها ولا يقيمون لها وزناً، وكأن هذه القوانين لا تلزم إلا العرب دون سواهم.

صمت العرب ليس هو الحل الأمثل، ووجود فجوة كبيرة بين الشعوب والحكام ليس من مصلحة الطرفين، والجرائم التي يرتكبها الصهاينة ليست وليدة اليوم ولن تتوقف مهما عمل الفلسطينيون ومهما استمر الصمت العربي.

ومن عجائب الدهر أن يطالب بعض الأوروبيين الصهاينة بالتوقف عن ممارسة العنف المفرط ضد الشعب الفلسطيني، ومن العجب كذلك أن يطالب كذلك كوفي عنان الصهاينة بعدم استهداف البنى التحتية فـــي الأراضي الفلسطينية، في الوقت الذي لا نرى تحركاً جاداً للجامعة العربية ولا للدول العربية، وكأن ما يجري في غزة لا يعنيهم من بعيد أو قريب، بل وكأن فلسطين ليست دولة عربية كان يجب أن يهمهم أمرها.

كان من المفترض أن تقوم كل دولة عربية لها علاقات مع الصهاينة بقطع هذه العلاقة مهما كان نوعها. وبالمناسبة فإن «إسرائيل» هي المستفيدة من هذه العلاقات بالدرجة الأولى، والعرب لا يحققون أية فائدة تذكر من تلك العلاقات، فما المبرر لبقائها أمام هذه المجازر الصهيونية التي نراها كل يوم والتي يشجعها مجلس وزرائهم ويطالب باستمرارها؟! كان من المفترض أن يتحرك الأمين العام للجامعة وأن يتحدث بكل وضوح عما يجري، ولماذا كل هذا الصمت الذي لا مبرر له؟ كان من المفترض على كل دولنا العربية أن تتحرك لتقديم كل أنواع الدعم المادي والمعنوي للفلسطينيين، فهؤلاء يتعرضون للإبادة والقتل اليومي ومن حقهم على إخوانهم - عرباً ومسلمين - أن يقدموا لهم كل أنواع الدعم المطلوب.

مازالت الحرب قائمة، ومازال الأمل موجوداً في كل عربي ومسلم، مهما كان موقعه أن يتحرك لعمل شيء مهما كان حجمه، وليس مقبولاً أن نقول: إننا لا نستطيع فعل شيء، فهذه مقولة مرفوضة، ففي الأمة خير كثير ولكن عليها أن تجد الوسيلة المناسبة لإظهار قدرتها على إظهار هذا الخير وفي أقرب وقت

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1406 - الأربعاء 12 يوليو 2006م الموافق 15 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً