احتجبت 24 صحيفة مصرية لمدة يومين احتجاجاً على مجلس الشعب، لتمريره قانوناً يسمح بسجن الصحافيين ويمنع الصحف من تناول قضايا الفساد، وهو ما سيحدّ من حرية الصحافة التي «تحاول» أن تكون سلطة رابعة في مصر!
وعلى رغم مطالبة الصحافيين البرلمان بعدم التصديق على القانون، فإن المجلس ركب رأسه و«سلق» القانون، من دون أن يبدي أي حرص على حماية الحريات العامة، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة لدى المجتمع الصحافي والكتاب وبعض النواب. وأثناء مناقشة القانون حدثت مشادات بين النواب، وتحرّكت نقابة الصحافيين في مسيرات باتجاه المجلس الذي لم تتحرك نخوته إلاّ بعد تدخل الرئيس حسني مبارك.
مبارك أوضح في تصريحات صحافية انه انتظر حتى هدأت الأزمة بين النواب والصحافيين، واتصل بوزير الدولة للشئون القانونية وكلّفه بإلغاء المادة 303 المتعلقة بالحبس في جرائم الطعن في الذمة المالية، والاكتفاء بتشديد الغرامة، ولكنه تجاهل الحبس في مواد أخرى مازال يعترض عليها الصحافيون.
ما حدث في مصر، نموذجٌ لما تعيشه الصحافة العربية من ضغوطات، تبدأ بحملات التهديد والتلويح بسحب الإعلانات الحكومية، ورفع رسائل شكوى إلى رؤساء التحرير ضد صحافيين وكتاب رأي معينين لمنعهم من الكتابة أو انتقاد سياسات خاطئة التي تضر بالوطن (برامج إعلام متخلفة تثير الطائفية، سرقة أراضٍ، تجنيس...)، وتنتهي بإصدار قوانين متخلفة من أزمنةٍ غابرة، وتتورّط في التصديق عليها برلماناتٌ تعبّر عن مصالح شرائح وقوى محدودة في المجتمع، ولا تمتلك أفقاً وطنياً واسعاً ينظر إلى المستقبل.
العملية في مجملها تطرح إشكاليةً عربيةً كبرى، وهي مسألة تركّز السلطات في يدٍ واحدة، لا تقبل أن ينافسها أحدٌ، وعليها أن تدخل حروباً مع كل الأطراف ذات التماس بالسياسة، من نقابات محامين وصحافيين وإعلام حر وأحزاب سياسية ومؤسسات مجتمع مدني... لضمان الإمساك بكامل خيوط اللعبة في يدها، ولتبقى هي الحكم والخصم.
ووسط كل هذه الفوضى السياسية الضاربة الأطناب، يبرز أحد كتاب الموالاة قائلاً: «تدخّل الرئيس جاء في الوقت المناسب، فقد انتصر لحرية التعبير وأعطى الصحافة المزيد من السلطات (ما شاء الله) باعتبارها مرآة المجتمع التي تتابع قضاياه وتتعقب الفساد والمفسدين لصالح الشعب».
ويضيف: «جاءت استجابة الرئيس لمطالب نواب الشعب سواء من الغالبية أو المعارضة أو المستقلين (لا ندري كيف تكون مطالبهم وهم الذين مرّروه!) لتؤكد أنه يعيش نبض المواطن ويشعر بمشكلاته وقضاياه». واعتبر تعديل بعض مواد قانون الصحافة (الذي مضى عليه أكثر من نصف قرن من دون أي تغيير) خطوةً مهمةً على طريق الإصلاح السياسي والديمقراطي، فـ «هذه حقيقة لابد أن نفخر بها كصحافيين وكمواطنين»! وأخيراً... «جاء تدخّل الرئيس ليكون الدرس واضحاً... وهو انحياز الرئيس للحرية والديمقراطية على طريق الاصلاح السياسي في مصر».
وفي الختام... لا ينسى أن يجتهد في تشخيص لبّ المشكلة: «لكن الظاهرة التي لا تخفى على أحد وجود هذا الكم من الصحف الخاصة والحزبية اليومية والأسبوعية التي تنشر ما تشاء»، فهذه هي المشكلة العظمى، وليست القوانين المتخلفة، ولا البرلمان المشوّه، ولا زرائب الفساد وقطعان الفاسدين... وآخر ما يمكن التفكير فيه أشياءٌ يسمونها: «سلطاتٌ ثلاث» يجب الفصل بينها، فضلاً عن السماح ببروز سلطةٍ رابعةٍ «متطفّلة» من الصحافيين الملاعين
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1406 - الأربعاء 12 يوليو 2006م الموافق 15 جمادى الآخرة 1427هـ