إلى أي مدى تستطيع حكومة ايهود أولمرت مواصلة عدوانها على لبنان رداً على العملية الدفاعية النوعية التي نفذتها مقاومة حزب الله في الجنوب؟
هناك احتمالات كثيرة وكلها مرتبطة بالفضاءات الإقليمية التي تنتظر حصول «شيء ما» منذ شهور. فما يحصل في غزة ليس بعيداً عن ما يحصل في جنوب لبنان. وهذه الاعتداءات هي من الأمور المحسوبة خصوصاً بعد زيارة أولمرت إلى واشنطن وما جرى خلالها من لقاءات مع كبار المسئولين العسكريين في الولايات المتحدة.
ما هي الاحتمالات المتوقعة من جانب «إسرائيل» رداً على العملية الدفاعية النوعية التي أدت إلى مقتل سبعة جنود وأسر آخرين؟
الاحتمال الأول، ان تكون العملية «متدحرجة» بحسب وصف أحد المراقبين. أي أن تبدأ بسيطة ثم تتطور ميدانياً وتتوسع دائرتها الجغرافية لتطاول جواً عمق الأراضي اللبنانية.
هذا الاحتمال غير مستبعد، ولكنه أيضاً يخضع لميزان ردود الفعل. فالضرب العسكري لن يكون من جهة واحدة وانما يتوقع أن ترد المقاومة بضرب العمق الإسرائيلي أيضاً. وهذا يعني أن حكومة أولمرت وضعت نفسها في دائرة مواجهة مفتوحة وضربات متبادلة.
الاحتمال الثاني، ان تعتمد حكومة أولمرت سياسة «القشرة» أي تكتفي بالضرب على مواقع مدنية وعسكرية في مناطق «الشريط» الحدودي الذي يبدأ من ساحل الناقورة - صور على البحر المتوسط ويمتد صعوداً إلى مرتفعات شبعا وكفرشوبا وصولاً إلى الجولان.
هذا الاحتمال غير مستبعد أيضاً، بدوره يخضع لترجيحات مختلفة مثل قيام المقاومة بالرد الصاروخي على الشريط المقابل للحدود اللبنانية. كذلك يحتمل أن ترد المقاومة بتنظيم عمليات اختراق للخط الدولي «الأزرق» واقتحام مستوطنات ومستعمرات تقع على مقربة من الحدود.
الاحتمال الثالث، ان تكرر حكومة أولمرت سيناريو الاجتياح الجزئي كما حصل في مارس/ آذار 1978 بذريعة ملاحقة المقاومة والضغط عليها للإفراج عن الجنديين الإسرائيليين. وهذا الاحتمال غير مستبعد، ولكن تداعياته ستكون عنيفة باعتبار أن الظروف الداخلية التي كانت موجودة في العام 1978 تغيرت وبالتالي فإن إمكانات المواجهة والصمود وتكبيد القوات المعتدية خسائر كبيرة ستكون من الأمور التي يجب أن تفكر بها كثيراً القيادة الإسرائيلية قبل الاقدام على هذه المغامرة. فالوصول إلى الزهراني والتقدم باتجاه النبطية ومحاصرة بعض قرى منطقة العرقوب لم تعد من الأمور السهلة وتعتبر مكلفة عسكرياً قياساً بما حصل في عدوان مارس 1978.
الاحتمال الرابع، ان تعيد حكومة أولمرت إنتاج سيناريو الاجتياح الشامل الذي وقع في يونيو/ حزيران 1982. وهذا الاحتمال مستبعد على رغم أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هدد به في تصريح أطلقه أمس. فالاجتياح الكبير خطير للغاية وربما يدفع لبنان والمنطقة كلها إلى مواجهات إقليمية أقوى من تلك التي حصلت في العام 1982. ومثل هذا القرار النوعي سيقلب الطاولة وسيؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة... لأن التقدم العسكري في عمق الأراضي اللبنانية وصولاً إلى بيروت والجبل والبقاع الغربي سيضع سورية في زاوية ضيقة لا تستطيع السكوت عن نتائجها لأسباب استراتيجية ستعرض أمنها القومي للخطر وستقفل بوابات العبور الجغرافي بين دمشق والعاصمة اللبنانية.
الاحتمال الخامس، ان تكرر «إسرائيل» سيناريو غزة الذي باشرت تنفيذه منذ 19 يوماً وهو يقوم على فكرة اختلاق أزمة (أسير إسرائيلي) واتخاذها ذريعة لضرب البنى التحتية (جسور، مستشفيات، محطات مياه وكهرباء) وشن غارات عشوائية وتنفيذ اجتياحات محدودة، وتعريض حياة المدنيين للخطر، والضغط على الداخل لتشكيل «نواة سياسية» تعطل على الحكومة قدرتها على التحرك بحرية واستقلال.
تكرار سيناريو غزة في لبنان هو المرجح في إطار قراءة المعطيات الدولية والإقليمية. السيناريوات الأخرى غير مستبعدة، ولكنها تحمل الكثير من المخاطر العامة. والمخاطر العامة لن تكون في اتجاه واحد بل ستتوزع على اتجاهات وجبهات متفرقة قريبة وبعيدة عن الحدود اللبنانية - الإسرائيلية. وبسبب هذا العامل المعقد واحتمال انفتاح الجبهة على تطورات إقليمية، يرجح الا تكون الاعتداءات الإسرائيلية التي بدأت أمس في الجنوب اللبناني «متدحرجة». فالتدحرج هذه المرة لن يكون كما حصل في حالات سابقة من جانب واحد وباتجاه واحد وانما قد تكون هناك مفاجأة ويحصل التدحرج بالاتجاه المضاد على غير ما تعودت عليه «إسرائيل».
سيناريو غزة هو الاحتمال الأقوى. فمثل هذا النوع من العمليات العسكرية تعتمدها دائماً «إسرائيل»، فهي تنتقم من المدنيين وتقتص من الأبرياء وتعاقب الناس جماعياً من خلال الضرب من بعيد وقصف القرى والاحياء والمراكز المدنية (الصحية، التربوية، والاجتماعية) وتعطيل الحياة العادية بتحطيم البنى التحتية وتدمير الجسور لقطع المواصلات وتصعيب الاتصالات وتنغيص الحركة الطبيعية بين الناس.
ويبقى السؤال: إلى أي مدى تستطيع حكومة أولمرت مواصلة عدوانها؟ «إسرائيل» تقول إنها مستعدة، وانها استنفرت قواتها قبل شهر بذريعة اجراء مناورات على الحدود اللبنانية. كذلك هددت أمس بأن ردها سيكون قوياً وقاسياً وواسع النطاق جغرافياً. كذلك حملت الحكومة اللبنانية مسئولية ما حدث كما سبق وحملت حكومة «حماس» مسئولية خطف الجندي في غزة.
كل هذا فعلته «إسرائيل» في القطاع وبدأت بتكرار السيناريو نفسه - متذرعة بالحجج نفسها ومستخدمة الأساليب نفسها - في الجنوب. إلا أن النهاية يتوقع لها أن تكون متشابهة سياسياً، ولن تكون النتائج التي توصلت إليها في غزة مختلفة كثيراً عن النتائج التي ستتوصل إليها في لبنان
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1406 - الأربعاء 12 يوليو 2006م الموافق 15 جمادى الآخرة 1427هـ