بين الحين والآخر تطالعنا وسائل الإعلام بما مفاده أن البنك الدولي أو مجموعة الثمانية )G8( قد قررت إعفاء مجموعة مختارة من الدول الفقيرة من سداد ديونها أو وافقت على إعادة جدولة تلك الديون. وحديثاً أبدى البنك الدولي استعداده لإسقاط ما قيمته 37 مليار دولار من ديونه التي يستحقها من مجموعة من الدول التي صنفها بالأكثر فقراً في العالم، والتي حددها بحوالي 19 دولة. وتأتي هذه الخطوة من البنك الدولي تنفيذاً لقرار اتخذته قمة الثمانية في العام الماضي. عندما نستعرض الـ 19 دولة تلك، نكتشف أن باستثناء بوليفيا، وهوندراس، ونيكارغوا، فإن البقية الباقية هي من دول القارة الافريقية، التي تقع في المنطقة التي تعرف عالمياً باسم جنوب الصحراء. وإذا تجاوزنا اولى وأصعب العقبات وهي أن على الدول التي تطمح في نيل هذا الإعفاء أن تتوافر فيها المواصفات التي تتطلبها مبادرة قائمة الدولة الفقيرة المثقلة بالديون (Heavily Indebted Poor Countries)، سنجد أنفسنا أمام العقبة الكأداء الأصعب والتي هي واقع الدول الإفريقية ذاتها. فوفقاً لأرقام الأمم المتحدة والبنك الدولي حول دول جنوب الصحراء، وهي التي يفترض أن تستفيد من ذلك الإعفاء، فإن هناك ما يزيد على 300 مليون مواطن محرومين من المياه الصالحة للشرب، و450 مليون مواطن لا ينعمون بضروريات الرعاية الصحية. وأن طفلاً، على الأقل، من بين كل ستة أطفال أفارقة يقضي قبل بلوغ الخامسة من العمر. وعلى مستوى دخل الفرد، فإنه إذا استثنينا دولا مثل الغابون وبستوانا وجنوب أفريقيا، والتي تعتمد على تصدير سلع نادرة ثمينة مثل الألماس، لا يتجاوز دخل الفرد الافريقي في الدول الفقيرة 600 دولار، ويتدنى لدى البعض ليصل إلى 250 دولاراً في العام. وللمقارنة يكفي أن نعرف أن دولة مثل سويسرا لا يتجاوز عدد سكانها 7 ملايين نسمة تنتج ما يقارب من الإنتاج ذلك القسم من إفريقيا التي يبلغ تعداد سكانها 260 مليون نسمة. وعودة للحديث عن أرقام المساعدات من الدول الغنية، فبعد أن اوصدت الأبواب في التسعينات بعد اكتشاف الكثير من حالات الفساد في الدول الإفريقية، تعود اليوم تلك المساعدات لتتدفق من جديد. ففي قمة الثمانية الماضية وافقت الدول الغنية على مضاعفة مساعداتها المالية من 25 مليارات إلى 50 مليار دولار بحلول العام 2010. وفي العام الماضي حققت تلك المساعدات أرقاماً قياسية لتصل إلى 106 بليون دولار، بزيادة نسبتها 31 في المئة مقارنة مع مساعدات 2004. الغريب في الأمر أنه على رغم تلك المساعدات، لكن كما تتحدث الأرقام، فإن حاجة الدول الإفريقية في تنام مستمر، وحجم مساعدات الدول الغنية في تزايد مستمر، ويبدو أن الوصول إلى وضع حد لذلك الوضع أمر شبه ميئوس منه، وكأن العالم يدور في حلقة مفرغة. لكن هل يستطيع من لا يجد قطرة ماء نظيفة صالحة للشرب ومن يمت قبل بلوغ الخامسة من العمر أن يسدد فاتورة قيمتها مليارات الدولارات؟
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1405 - الثلثاء 11 يوليو 2006م الموافق 14 جمادى الآخرة 1427هـ