العدد 1404 - الإثنين 10 يوليو 2006م الموافق 13 جمادى الآخرة 1427هـ

رسائل المعارضة واستعادة الثقة المفقودة

نادر كاظم comments [at] alwasatnews.com

.

كان الإنجاز هو غاية الفعل السياسي، ثم تحولت الغاية مع خطاب المعارضة اليوم إلى تسجيل مواقف للتاريخ، وتوصيل رسائل إلى شتى الأطراف داخل البحرين وخارجها. وقد فسّرنا هذه الغاية بما هي غاية تواصلية تنطوي على تأسيس مواقف تواصلية إيجابية تضمن وصول الرسائل إلى الجهة المقصودة، كما تضمن تحقيق التأثير المنتظر من هذه الرسائل. وبما أن الفعل السياسي صار فعلاً تواصلياً فإن لنا أن نقرأ استخداماته وتأثيراته على هذا الأساس. وحين نتحدث عن استخدام رسائل التواصل وتأثيراتها فنحن نتحدث عن التداولية بما هي مبحث علمي يعنى بعلاقة الكلام بمستخدمه وسياقات هذا الاستخدام. وعادة ما يجري التمييز في التداولية بين ثلاثة أنواع من أفعال الكلام:

1- فهناك «فعل الكلام» وهو فعل التلفظ بالأقوال من دون النظر فيما هو أبعد من ذلك.

2- وهناك «الفعل الكلامي» وهو الفعل الذي يتحقق عند نطقنا بقول ما كفعل البيع الذي ينعقد حين يقول البائع: «بعتك» فيرد المشتري: «قبلت»، أو مثل فعل الزواج الذي ينعقد بقول الطرفين: «قبلت»، فهذا مجرد قول إلا أنه قول ينطوي على فعل ننجزه بمجرد النطق بهذا القول.

3- وأخيراً هناك نوع ثالث يسمى «لازم فعل الكلام» أو «فعل التأثير بالكلام» وهو الفعل الذي يتحقق نتيجة لقولنا أي ما يحققه المتكلم من نتائج ومكاسب وخسائر على إثر النطق بكلامه.

وحين نأتي إلى خطاب المعارضة سنجد أن «أفعالها الرمزية التواصلية» ليست من النوع الثالث الذي ينجز فيه المرسل أفعالاً كنتائج لرسائله وأفعاله الرمزية، ومعيار الحكم في هذا النوع من الأفعال، هو معيار التوفيق والإخفاق أو النجاح والفشل أي أن الفعل يكون ناجحاً وموفقاً إذا حقق مطلوبه، في حين أنه يعد فاشلاً ومخفقاً إذا فشل في تحقيق هذا المطلوب. ويرصد هذا النجاح أو الفشل بمقدار تأثير الفعل في سلوك المُخَاطَب/المتلقي وفعله وفكره واعتقاده، والمخاطب المقصود بفعل المقاطعة هو القيادة السياسية والعالم والتاريخ. فأما التاريخ فعلمه عند الله ورصد مقدار التأثير فيه متروك لحكم الأجيال القادمة، وأما العالم والقيادة السياسية فلم يلحظ أحد تغياراً طرأ في سلوكهما وفعلهما واعتقادهما نتيجة لأفعال المعارضة الرمزية ورسائلها التواصلية من ندوات ومسيرات وعرائض. بل إن ما ساقه تقرير الأمانة العامة للوفاق من مبررات للمشاركة في انتخابات 2006 يؤكد أن أفعال المعارضة كانت أفعالاً فاشلة لكونها لم تؤثر في أحد، لا في داخل البحرين ولا في خارجها، وبقت هذه القوى وجماهيرها هي «المستهلك» الوحيد المعني بهذه الرسائل والأفعال. يقول التقرير: «إن جوهر ما يمكن أن نتمسك به لاستمرار المقاطعة، هو أن هذه المشاركة ستضفي الشرعية على دستور 2002، وعند تحليل هذا الكلام، سنجد أنه لا أحد يعير هذا المعنى التفاتاً سياسياً، من القوى المحلية، والإقليمية، والدولية، سوى الجمعيات الأربع وجماهيرها، وما من أحد يرتب على شرعية الدستور وعدم شرعيته، أي موقف مضاد للسلطة في البحرين. وقد شاركت بقية القوى السياسية، وستشارك، كما أن غالبية المجتمع البحريني ستشارك، بغض النظر عن حديث شرعية الدستور، وعدم شرعيته، التي لا تعني له شيئاً يمنعه من المشاركة.

أما الدول العربية والإقليمية والدولية، فإنها تعتبر البحرين نموذجاً متقدماً على جيرانه (عدا الكويت)، وتشيد الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا مراراً وتكراراً بالإصلاحات التي تمت في البحرين. وعند التأمل العميق، سنجد أنه لا مشتري سوانا، داخلياً وخارجياً، وعلى المستويين المحلي والدولي، وعلى المستوى الرسمي وغير الرسمي، لبضاعة الشرعية وعدم الشرعية لدستور 2002». ومعنى هذا الكلام أن أفعال قوى التحالف الرباعي كانت أفعالاً فاشلة لأن الرسائل التي كانت ترسلها إلى الداخل والخارج لم تحقق مطلوبها بدليل اعتراف التقرير بأنه «لا مشتري» لبضاعة التعديل الدستوري وشرعيته سوى قوى التحالف وجماهيرها. وكأن معنى هذا الاعتراف أن مرسل الرسائل هو نفسه مستقبلها ومستهلكها، في حين بقي المخاطب المقصود بهذه الرسائل عازفاً عن «شرائها». مما يعني أننا أمام فعل تواصلي فاشل لأنه - ببساطة - لم يحقق مطلوبه، ولم يؤثر في أحد لا في البحرين ولا في العالم.

يترتب على هذا أن يكون خطاب المعارضة من النوع الأول أو الثاني من أنواع أفعال الكلام. أي أن «رسائل» المعارضة إما أن تكون مجرد فعل رمزي مثله مثل فعل الكلام التلفظي أي مجرد نطق بسلسلة من الأصوات ذات المعنى إلا أنها عديمة التأثير، وإما أنها أقوال تنجز المعارضة من خلال الإتيان بها أفعالاً إلا أنها أفعال لا تخرج عن دائرة إبرام العقود وفسخها، أو دائرة ما يسمى في البلاغة العربية القديمة بالأقوال الإنشائية أي أنك تنشئ بقولك فعلاً إلا أن هذا الفعل هو من قبيل الإثبات والنفي والتمني والترجي والاستفهام والأمر والنهي والتعجب والاستخفاف والتعجيز... إلخ.

وفيما يتعلق بدائرة الأفعال الأولى فإن قوى المعارضة أرادت من خلال فعل المقاطعة، التعبير عن فسخ العقد الذي أبرم بالمشاركة الإيجابية في التصويت على «ميثاق العمل الوطني» في العام 2001. فإذا كان الفعل التعاقدي بين المعارضة والقيادة السياسية قد انعقد بمجرد مشاركة المعارضة بالتصويت الإيجابي على هذا الميثاق، فإن فسخ هذا التعاقد ينبغي أن يكون بإعلان مقاطعة انتخابات 2002. وبهذا المعنى يكون الفعل المتضمن في مواقف «البيان والتبيين» التي قامت بها قوى التحالف الرباعي إنما هو إعلان فسخ التعاقد بين الطرفين، وهذا ما عناه عبدالرحمن النعيمي حين تحدث عن المقاطعة بما هي كشف عما جرى من «ارتدادات عن التعهدات». فإذا كان التعاقد بين الطرفين قد انعقد بمجرد إبرامه بالتصويت الإيجابي على الميثاق، فإن قوى التحالف الرباعي قد فسّرت ما جرى من تعديل دستوري في فبراير/ شباط 2002 على أنه فسخ لهذا التعاقد، الأمر الذي اضطر هذه القوى إلى مقاطعة انتخابات 2002 بما هي - أي المقاطعة - تعبير عن تحلل هذه القوى من أي التزامات مستحقة من هذا التعاقد، أي أن قوى التحالف الرباعي أرادت من خلال مقاطعة انتخابات 2002 الإعلان عن فسخ العقد المبرم إبان التصويت على الميثاق في 2001. ولكن ما هذا العقد الذي لا تشعر المعارضة بأنها تحللت من التزاماته إلا بعد الإعلان عن فسخه؟ فإذا كان العقد ينفسخ بمبادرة أحد الطرفين، فما الداعي لأن يعلن الطرف الثاني فسخ العقد من جهته؟ والحق أننا هنا لسنا أمام حال تعاقد، بل إن خطاب المعارضة لا يصوره على أنه تعاقد، بل هو يصفه بأنه عهد وتعهد، وهو ما عناه عبدالرحمن النعيمي حين وصف ما جرى في فبراير 2002 بأنه «ارتدادات عن التعهدات»، أي أننا أمام حال من العهد أو التعهد. والفرق بين العقد والعهد أن الأول ينعقد بمجرد إبرامه كعقد البيع والزواج، في حين أن التعهد هو التزام بتحقيق ما تم الاتفاق عليه في المستقبل، أي أنه وعد بالوفاء في المستقبل، وهو وعد يتم التوافق عليه بناء على الثقة المتبادلة بين الطرفين. ولهذا يصور العهد أو التعهد على أنه عقد تبادل للثقة. وعلى هذا يكون ما جرى في التصويت على الميثاق في 2001 هو عهد وتعهد قائم على ثقة متبادلة، في حين أن ما جرى في فبراير 2002 - بحسب خطاب المعارضة - هو «ارتدادات عن التعهدات» وتحلل من وعد الوفاء في المستقبل، الأمر الذي يعني انفراط عقد الثقة المتبادلة بين الطرفين. فهل هذه الحال هي التي تجعل رسائل المعارضة تضيع في الطريق؟ ومادمنا افتتحنا هذا المقالا بالتداولية فإننا سنختتمه بالتداولية أيضاً. ومن المعروف في التداولية أن التواصل لا يكون ناجحاً إلا بتوافر مبدأ متحكم يسميه غرايس - أحد المنظرين المهمين في هذا المجال - «مبدأ التعاون»، وخلاصة هذا المبدأ أن عملية التواصل لا تكون ناجحة ومثمرة إلا إذا كان الطرفان - المرسل والمتلقي - متعاونين، وأن كل طرف يتوقع من غيره أن يحترمه وأن يكون متعاوناً، وعندئذ يسهل تأويل الرسائل، ويتضح المقصود منها، وينجح الفعل التواصلي. فهل مبدأ التعاون موجود فيما تقوم به قوى المعارضة اليوم من عمليات تواصل متتالية؟ أم إن غياب هذا المبدأ هو قرين غياب الثقة؟ الأمر الذي يجعل كل عمليات التواصل محكوماً عليها بالفشل. وهو فشل لا سبيل إلى تجاوزه إلا بحمل جميع الأطراف على الالتزام بمبدأ التعاون، أي على استعادة الثقة المفقودة بين الأطراف

إقرأ أيضا لـ "نادر كاظم"

العدد 1404 - الإثنين 10 يوليو 2006م الموافق 13 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً