العدد 1404 - الإثنين 10 يوليو 2006م الموافق 13 جمادى الآخرة 1427هـ

هل الجماعات الإسلامية هي المستقبل؟

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

ترى بعض الدوائر البحثية الغربية والأميركية خصوصاً أن بعض الجماعات السياسية ذات المرجعية الدينية في دول الشرق الأوسط يمكن أن تحقق نوعاً من الحكم الديمقراطي في المدى المتوسط البعيد، بعد فشل القوى السياسية المختلفة تحقيق هذا النوع من الحكم، وخصوصاً القوى القومية أو المحلية التي استندت على مقولات ديمقراطية غربية من دون محتوى حقيقي لتفعيلها. البعض يصف هذه القوى الجديدة بالإسلام السياسي والبعض يرى فيها القوة الجديدة في الشرق الأوسط، وآخرون لا يريدون أن يكيفوا صعودها السياسي إلا انه مؤقت وردة فعل على واقع معيب لا غير، والحقيقة على الأرض في الشرق الأوسط تقول إن هناك قوى سياسية تستند إلى الإسلام كمرجعية تنتعش في الساحة السياسية في منطقتنا وتكسب أرضاً في المجمل الشعبي الوطني، تحت شعارات مختلفة منها محاربة العدو الغربي، أو محاربة فكره أو تحقيق النزاهة في العمل العام.

منذ ستة وعشرين عاماً والعالم ينتظر «الانقلاب الثاني» بعد الانقلاب الأول في إيران المعتمد على الخلفية الإسلامية، في ربع القرن الماضي أو يزيد شهدت منطقة الشرق الأوسط محاولات جادة بهذا الاتجاه في الوصول إلى الحكم وهي حصراً ثلاث، الأولى ما تم في السودان، والتي انتقلت من حكم شبه ديمقراطي إلى حكم له مرجعية إسلامية عن طريق انقلاب عسكري، إلا أن هذا الحكم تعثر طويلاً وكثيراً واصطدم بما في السودان من عقبات إثنية ومناطقية وثقافية حتى وصل إلى نقطة عدم الحركة أو التجمد السياسي. وفي الثانية أفغانستان إذ تمت محاولة جادة ولكنها غير كاملة في حكم طالبان بنوع من التفويض ذي المرجعية الإسلامية عن طريق تنظيم انقلاب لجماعات طلابية، ولكن تلك المحاولة وجدت أمامها صعوبات داخلية وخارجية انتهت بها إلى زجّ أفغانستان في منحدر تخلف اجتماعي/ اقتصادي ومن ثم في أتون حرب تكاد تكون عالمية، فقصرت فترتها الزمنية. أما الثالثة فهي في وصول حماس إلى الحكم في فلسطين، هو وصول عن طريق صناديق الانتخاب ولكن قلل من تأثيره عاملان، الأول الاحتلال، كون فلسطين بلداً محتلاً بقسوة وصفاقة ما يقلل التأثير السياسي المباشر على برنامج الحكم، كما أن وجود عناصر أخرى من (فتح) في الرئاسة وبعض الأجهزة الحكومية، يجعل القول إن قوى إسلامية تحكم فلسطين اليوم قولاً متحفظاً عليه. على أقل تقدير بسبب ضعف القدرة على تحقيق برنامج سياسي واضح. في لبنان هناك أحزاب علنية يربط بعضها بين المقاومة والشعار الإسلامي، وبعضها الآخر يتبنى المرجعية الإسلامية مستفيداً من شعور عام في البلاد بالضجر من السياسيين التقليدين، إلا أن البلد نفسه تتحكم فيه غالبية ترى التطبيق الليبرالي للحكم هو الأصلح.

من يرى أن «الانقلاب الثاني» في الأفق، أي وصول حركة إسلامية إلى السلطة والحكم في أحد بلدان الشرق الأوسط، قد ينتظر كثيراً من الوقت. التحليل طبعاً لا يشمل التجربة التركية، كونها نابعة من عملية ديمقراطية وأيضاً كونها عدلت وواءمت كثيراً بين شعاراتها وبين حقائق السياسة التركية العلمانية التي يحتضنها ويصونها الجيش التركي الحديث.

أما القوى الإسلامية في المعارضة فإنها تحقق الكثير من التقدم، ربما الانتخابات الأخيرة في الكويت دليل أخير، ولن يكون آخر الأدلة، على ذلك التقدم النسبي، وأيضا في البحرين التي عرفت التجربة الديمقراطية حديثاً من المتوقع أن تكسب المعارضة ذات المرجعية الإسلامية (بشقيها السني والشيعي) أرضاً شعبية جدية في الانتخابات القادمة. وأيضا الانتخابات الأخيرة في مصر أثبتت القدرات التنظيمية المتقدمة للحركة السياسية المستندة إلى مرجعية إسلامية، على رغم كل الحصار المفروض عليها إعلامياً ورسمياً والعوائق القانونية التي توضع أمامها، والإسلاميون في الجزائر لهم قاعدة صلبة منذ تخسيرهم للانتخابات العامة العام 1992، وما جرى في الجزائر يبدو أنه ما سيجري في أماكن أخرى، أي اللجوء إلى العنف الشرس لفترة طويلة من الزمن من قبل المحبطين في صفوف الحركة والمتشددين منهم، ثم الانكفاء للعمل السياسي من خلال صناديق الانتخاب بعد ذلك.

أما في الأردن وفي المغرب وفي اليمن كانت الصورة مختلفة جزئياً، فقد واءمت الأنظمة بين القوى الإسلامية المنظمة وبين الدولة القائمة على قبول التعددية، عن طريق تقديم بعض التنازلات وإشراكهم في السلطة وخصوصاً في البرلمانات ذات السلطة المحدودة أصلاً، أما أنظمة أخرى فقد وجدت نفسها في شبه حرب مع شعارات الإسلاميين وقواهم إلى درجة منعهم تماماً من الحركة في الداخل وملاحقة مروجي شعاراتهم من المواطنين في الخارج.

حقيقة ان ربع القرن الأخير شهد في دول الشرق الأوسط العربية والمجاورة تحولاً لجُل الشعارات السياسية من قومية وربما ماركسية، إلى مقولات وشعارات ذات مرجعية إسلامية. لاشك أن الثورة الإيرانية بعد ما يزيد على ربع قرن الآن من الممارسة، كانت قد أوقدت الفتيل لمثل هذا التوجه العام وضربت المثال، ولكن الفتيل نفسه كان موجوداً ومبللاً بمواد الاشتعال! وينتظر أن يشعل.

على رغم الكتابات الغربية المتكاثرة بشأن «الانقلابات الإسلامية المتوقعة» فإن بها الكثير من المبالغة في أن يحدث «وصولاً فجائياً إلى السلطة» كما حدث في إيران في ظل مرجعيات إسلامية، ولعدد من الأسباب المانعة، منها أن هذه القوى السياسية في كثير من بلدان الشرق الأوسط ليست متسقة سياسياً فيما بينها، ففي البلد الواحد هناك الكثير من الأطياف «الإسلامية» السياسية بعضها يخاصم البعض الآخر، كما أن الحركة التاريخية حتى الآن في السودان وأفغانستان وحتى إيران لا تشجع كثيراً على تأييد منقطع وغير مشروط لمثل تلك البرامج من الجمهور العام، خصوصاً في حال الانفراج السياسي النسبي.

مستقبل الإسلام السياسي في المنطقة إذا استمرت صناديق الانتخاب مفتوحة لدورات عدة هو الاعتدال والتعاطي السياسي بنكهة تراثية محدثة إذا لزم الأمر؛ لأننا لا نعرف حتى الآن على وجه اليقين إجابة قاطعة على السؤال، هل يصوت الجمهور للقوى الإسلامية في الانتخابات حتى الآن لأنه يؤمن بأطروحاتهم أم بسبب ضيقه وتبرمه بما هو قائم من تشكيل سياسي؟

المثال التركي هو الأوفق في أفق الكثيرين، إذ اندفع الجمهور إلى التأييد بسببي الاعتدال وضيق بالنخبة السياسية القديمة. إلا أن التجربة تحتاج إلى وقت حتى يتعرف الجمهور إلى أي مدى يستطيع أن «يخدم» هذا التوجه الأهداف الوطنية في التنمية والحرية والعدالة بمعناها الواسع. وهذه التجربة تتماثل الآن في مناطق عدة من المغرب حتى الخليج طبعاً مروراً بالعراق، الذي نرى فيه تجربة إسلام سياسي تقوده أحزاب تنتظم في بيئة سياسية تعددية. وهنا يصبح القبول المبدئي بالآخر واجتهاداته حتمياً ما يقلل بطبيعة الحال من احتكار كامل للحقيقة الاجتماعية والسياسية، وتصبح الحركة الإسلامية في أحسن الأحوال اجتهاداً سياسياً بين اجتهادات غيرها من القوى، تبني نتائج قبولها الجماهيري على ما تنجزه على الأرض.

عدو هذا التوجه في المدى القريب هو الغلو وطرح شعارات فكرية غير متوافقة مع العصر، وأخذ الناس بالزجر، وتجاهل رأي الآخرين على مستوى الوطن، وتشجيع «الإرهاب» على المستوى الخارجي، إذ من الصعب تصور تشجيع الإرهاب على المستوى الداخلي، والمثال الأبرز هنا ما حدث من مناصرة للزرقاوي بعد مقتله، من بعض ممثلي الإخوان في الأردن! بمثل هذا التوجه تخسر حركات الإسلام السياسي كثيراً من تعاطف الجمهور المحلي معها، أما عدوها في المدى المتوسط والبعيد فهو فشلها في تقديم برامج تحقق للناس ما يتوقعونه منها، وهو حرب تحقيق العدالة والاستحواذ السلبي للثروة، والكثير من الشرور السياسية التي أحبطت غيرها من الحركات السياسية في السابق. كفاءة الانجاز هي المحك الذي سيقرر التزام الجمهور العام في وسط ديمقراطي بهذا التيار، سواء أكان في المعارضة أو السلطة. وكفاءة الإنجاز توجز اليوم بمحاربة الفساد بأنواعه المختلفة، وعلى رأسه الفساد السياسي

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1404 - الإثنين 10 يوليو 2006م الموافق 13 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً