كنت متوقفاً عند إشارة المرور مساء يوم الجمعة وكانت أمامي حافلة نقل عام مكتظة بالعمال الجالسين والواقفين، وبالقرب منها كانت سيارة مزاراتي حديثة، تلك اللحظة بقيت معي معظم المساء، وكانت بمثابة المنبه الذي يوقظنا كلما سهونا أو ذهبنا في سبات عميق. سبات ينتج عن مشاغل الحياة والأمور الشخصية والظروف الطارئة... إلخ.
»لماذا التفلسف؟« يقول البعض، أو حتى أقوله أنا بنفسي قبل أن أرى الحافلة والمزاراتي، لكن أليس كل ما نراه، نسمعه، نلمسه، نشعره، كل ما في الوجود ساكن ضمن فلسفة استيعاب وفهم الباطن والظاهر، وألا يجدر بنا أن نحاول بقدر الإمكان السعي إلى العلم والمعرفة والحكمة في أي لحظة وأي مكان؟ أليس هذا ما يجعلنا متصلين بما حولنا والكونية والتوحيد؟
عودة إلى الحافلة والسيارة الفخمة، دعنا ولو للحظة أن نستمد بعض الحكمة. لا يوجد شخص في العالم وهو لا يحاول أن يتخطى ما هو عليه وأن يرتقي، أن يرتقي بطريقته الخاصة، وهي تكون عبر المال والأعمال، العلم، الحب، الفن أو مزيج من تلك الأمور. فمادام الشخص حياً يرزق، لا يوجد سبب لأن يفقد الرغبة في حصد المزيد مما يريد ويطمح إليه. ولا يوجد خطأ في هذا، بل هو واجب على كل واحد منا بأن يبذل قصار جهده في حياته.
لكن في المسار إلى تحقيق رغباتنا، قد نتفاجئ إذ نجد أنفسنا مهتمين ومركزين على ذاتنا فقط، هاملين كل ما حولنا. إن فقدان المنظور الكامل لشيء مؤسف، وخصوصاً عندما نواجه مشكلة ما أو ظروفاً مستعصية، فقد نجد أنفسنا في موقف غير لائق، غير مقدرين ظروف الغير وما هم عليه من حال.
لهذا، يفيدنا إن أخذنا لحظة كل يوم لنضع أنفسنا في حال الغير. فإن كنت سائق المزاراتي، تصور نفسك في الحافلة وحاول أن تفهم نظرة العامل الذي أمضى نهار يوم الجمعة في العمل الشاق لإعانة عائلته. وكيف أن كل فلس زيادة يحصل عليه له قيمة كبيرة. لا أقول إن من يسوق سيارة فخمة لا يعمل ولا يتعب.
طبعاً، يتعب ويعمل (وخصوصاً إذا عليه تسديد قسط السيارة)، لكن في بعض الأحيان نطمع في فك رموز ظروف صعبة وعصيبة قد نمر بها ولا نبالي بأن نفهم حال الآخرين.
وبهذا لا ندرك بأننا لسنا وحدنا في العالم، ولسنا الوحيدين الذين يواجهون الحياة وما تحتويه من ظروف وآمال وفرص وإبراز الذات.
ففي نهاية الأمر، الحياة مثل الشارع، متسعة للمزاراتي والحافلة
العدد 1403 - الأحد 09 يوليو 2006م الموافق 12 جمادى الآخرة 1427هـ