في القطار من القاهرة إلى الاسكندرية، قرأت الصحافة المصرية المعارضة، ولفت نظري في بعض الصحف قوة الموضوعات المطروحة وجرأتها. لا اعتقد ان بلداً آخر، في الوطن العربي، يتمتع بمثل ما تتمتع به الصحافة المصرية من سقف مرتفع من الحرية والجرأة في الطرح! بالطبع بالنسبة لتاريخ «مصر»، وريادة شعبها العظيم؛ فإن حرية التعبير وليس حرية التغيير، هي شيء تافه!
الريادة تأتي لمصر العروبة والإسلام منقادة طيعة، فالثقافة والمعرفة والانتاج الفكري، لهما الدور الأساس، ليس في تشكيل المجتمع المصري وحده؛ بل في تكوين المجتمعات العربية، وتشكيل الوعي تجاه تكريس الحقوق السياسية. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، ومادمت متجهاً إلى الاسكندرية متيماً بكل ما فيها، فإن تاريخ الصحافة في الاسكندرية حافل وغزير بالإنتاج الأدبي والإبداع الفكري. وقد تناول د.عبدالمنعم إبراهيم الجميعى في بحثه القيم عن الاسكندرية عموماً، والصحافة «السكندرانية» على الأخص، الكثير من الجوانب التراثية والثقافية والفنية التي تجسد عراقة الاسكندرية. فقد «امتزجت الثقافات الإغريقية والمسيحية والإسلامية». كما كتب عن مجد «الاسكندرية» الصحافي العريض فكانت تسبق «القاهرة» في مصادر الأخبار. وكانت رائدة الصحافة المصرية الحديثة بكل شموخها وتقدمها.
فتاريخ الصحافة بالاسكندرية يعود إلى العام 1873 إذ أسس سليم حموي أول جريدة باسم «الكوكب الشرقي». ثم جاءت «الأهرام» التي صدرت في بداية أمرها بالاسكندرية تحت إدارة سليم وبشارة تقلا وصدر العدد الأول منها في الخامس من أغسطس/ آب 1876، ومن الصحف الأخرى التي صدرت في الاسكندرية صحف: «الاسكندرية» في العام 1878، «البصير» لمؤسسها رشيد شميل العام 1897.
ليس هذا فحسب - يضيف الجميعي- بل إن بعض الصحف التي كانت تصدر في «القاهرة» نقلت مركزها إلي الاسكندرية خاصة وأن جمال الدين الأفغاني وتلاميذه من طلائع الثوار وجدوا فيها ميدانا لنشر آرائهم ومنبراً لإبراز دعوتهم فأثروا لنشاطهم الصحافي مدينة الاسكندرية فتأسست جرائد «مصر» و«المحروسة» و«التجارة»، و«التنكيت والتبكيت» و«الاتحاد» وغيرها»... كما ظهرت صحف نسوية، فصدرت مجلة «الفتاة» العام 1892، وأنيس الجليس العام 1898. بعد كل هذا التاريخ الحافل، هل تبقى لعاذلي نصيب من الواقع يقوض أركان عشقي الدائم للاسكندرية؟! وبعد هذا الإيجاز لتاريخ الصحافة المصرية، و«السكندرانية» على الأخص، ألا يستحق شعب مصر العظيم حرية التعبير؟! إنه يستحق أكبر من ذلك! يستحق حرية التغيير... وكفاية «لحد كده ما توديناش في داهيه»!
عطني إذنك...
لو أن أحداً من أبناء السراق والمرابين في هذا البلد، أو المقاطعجية الجدد لما تم التقصير عليه ونقله بطائرة خاصة أو غير خاصة إلى بلاد الإفرنج للتشافي والمداواة والطبابة والنقاهة والترويح أيضاً؛ أما أن يكون «سيف بن علي» أو أحداً من صحبه، فدعوه يموت...! ولكن يأبى الله لهؤلاء المناضلين الموت، بل هم أحياء بما قدموا وأفنوا عمرهم من أجله... وستبقى وردة «سيف بن علي» زاهية عاطرة يداعبنا نسيم عبيرها كلما هاج وماج علينا «كرباجية» الاستبداد
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1403 - الأحد 09 يوليو 2006م الموافق 12 جمادى الآخرة 1427هـ