العدد 1403 - الأحد 09 يوليو 2006م الموافق 12 جمادى الآخرة 1427هـ

أخطار وفرص في المحادثات الأوروبية المتوسطية التجارية

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

الشراكة الأوروبية المتوسطية بين مجموعة الاتحاد الأوروبي القوية ودول الإطار الجنوبي والشرقي لحوض البحر الأبيض المتوسط المتفرقة والضعيفة تهدف إلى إنشاء منطقة تجارة حرة بحلول العام 2010 إذا لم يحدث ما يعوق ذلك.

وعموماً، فإن خطط تحرير التجارة بين الاتحاد الأوروبي وشركائه العرب يمكن أن تكون لها آثار مدمرة على شعوب المنطقة العربية وبيئتها.

وتبقى الخطوات القادمة هي الحاسمة والتي من المؤمل أن يتم بحثها في اليومين المقبلين في اجتماع على المستوى الوزاري في تونس.

يدعي الاتحاد الأوروبي أن اجتماعاً كهذا قد يؤدي إلى تحقيق التوتر في المنطقة ويأتي بالثروة والاستقرار، بينما تعتقد المنظمات البيئية المتوسطية غير الحكومية أن الصفقة يمكنها أن تؤدي إلى فوضى اجتماعية وبيئية عارمة في الجنوب.

ما نحن بحاجة إليه هو نظام تجاري عادل مستدام في منطقة البحر الأبيض المتوسط وليس تجارة حرة على حساب الشعوب الضعيفة والبيئة.

لنأخذ مثلاً الوصول إلى المنتجات الزراعية والخدمات والتحرير المخطط لهذه القطاعات الحساسة، الواقع أن نسبة مئوية عالية من السكان العرب الأكثر فقراً تعيش في مناطق ريفية وتعتمد على الزراعة في جزء من دخلها أو في كامله، وهذا هو الوضع في المغرب والجزائر ومصر وسورية.

إذا تم تحرير التجارة الزراعية بالكامل فسيكون هناك تحرك لا مناص منه من زراعة على المستوى الصغير إلى الزراعة الواسعة، وهذا سيتطلب المزيد من الريّ في منطقة تعتبر فيها المياه شحيحة المصادر، مما يفاقم مشكلة التصحر.

وعموماً، فإن التحول إلى المحاصيل الأحادية وحراثة الأرض بشكل واسع سيكون له أثر سلبي كذلك على نوعية التربة.

بالنسبة إلى الكثير من المزارعين في سورية والمناطق الفلسطينية ومصر ودول المغرب، تعتبر الأسواق المحلية أكثر أهمية بكثير من الأسواق الدولية، إذا استطاع هؤلاء المزارعين من بيع محاصيلهم محلياً.

إن تحرير التجارة الزراعية بشكل سريع غير منظم سيفتح هذه الأسواق المحلية للمنتجات المستوردة الرخيصة ما يقضي على عمل بعض المزارعين بشكل شامل. ومثل هذه النتيجة ستكون لها نتائج اجتماعية سلبية واضحة وتؤدي إلى هجرة كبيرة من الريف إلى المناطق الفقيرة في المدن. حينها لا يمكن تصور الصورة الكاملة للمشكلات الاجتماعية والبيئية.

أما بالنسبة إلى تحرير التجارة وخصخصة الخدمات، فإن التجارب حول العالم توفر أسباباً للمواطن العربي لأن يكون قلقاً، فهو قد يواجه وصولاً متضائلاً إلى الخدمات كالمياه والصحة والتعليم والطاقة. وان هذه الخدمات الأساسية ستتدهور نوعيتها على الأرجح. إضافة إلى خسارة في فرص العمل المصاحبة، فقد تصبح فرص العمل أقل أمناً وقد يخسر العمال الكثير من حقوقهم.

تعتقد منظمة أصدقاء الأرض في أوروبا وغيرها ممن يعمل في مجال حماية حقوق الإنسان والبيئة أن مفاوضات تحرير التجارة والخدمات يجب أن تستثني تلك الخدمات الحيوية للتنمية البشرية، مثل الماء والطاقة والتعليم والصحة. ويدعم هذا الطلب النتائج الأولية لدراسة تقييم الأثر على الاستدامة في منطقة التجارة الحرة الأوروبية المتوسطية.

ان الدراسة التي أجرتها جامعة مانشستر في بريطانيا بطلب من الهيئة الأوروبية تتنبأ بآثار اجتماعية وبيئية شديدة واسعة على دول البحر الأبيض المتوسط الجنوبية والشرقية.

فهذه الدراسة تحدد الآثار الاجتماعية المحتملة الآتية: زيادة مهمة في البطالة، وخصوصاً بعد تحرير التجارة في مجال المنتجات الصناعية والزراعة، هبوط في معدلات الأجور مضافاً إليها ارتفاع في معدلات البطالة، خسارة ذات قيمة عالية في الدخل الحكومي لها آثار اجتماعية لاحقة ناتجة عن خفض الإنفاق الحكومي على الخدمات الصحية والتعليمية وبرامج الدعم الاجتماعي، تعرض أكبر للأسر الفقيرة لمخاطر التذبذبات في أسعار السوق العالمية للموارد الغذائية الأساسية، وآثار شديدة على وضع وصحة المرأة الريفية ومقاييسها الحياتية.

الآثار البيئية الشديدة الرئيسية التي تم تحديدها أيضاً هي: وقع محلي مهم على الموارد المائية، إنتاجية التربة والتنوع البيئي في المناطق التي تتعرض حالياً لضغط شديد (الزراعة الصناعية، الصناعة... إلخ)، ظروف حياة أكثر فقراً في المدن ناتجة عن انخفاض فرص العمل الريفية وتسارع في الهجرة من الريف إلى المدن، تزايد تلوث الهواء والمياه الساحلية نتيجة لنشاط متزايد في مجال النقل، وتزايد إنتاج المواد الملوثة الناتجة عن زيادة استخدام مواد التغليف.

قد تستطيع دولة أوروبية غنية اتخاذ إجراءات معينة لتجنب هذه النتائج الشديدة المتوقعة، لكن دول حوض البحر الأبيض المتوسط غير الأوروبية التي لا تملك الخبرات الضرورية أو الميزات اللازمة، إضافة إلى ذلك، لا توجد في هذه الدول الجنوبية والشرقية من حوض البحر الأبيض المتوسط والتي لا تعتبر ديمقراطية، أية مؤسسات عامة مستقلة تملك المهنية الكافية لإرشاد صانعي القرار إلى طريق سليم نحو تجارة عادلة.

في هذه الظروف، يتوجب التساؤل عن ادعاء القادة الأوروبيين والعرب بأن تحرير التجارة سيحقق أهداف السلام والاستقرار والازدهار.

كم يجب ألا ننسى أنه حتى أنصار منطقة التجارة الحرة لا يتوقعون سوى كسباً ضئيلاً في مجال الازدهار الاجتماعي ضمن الخطة الحالية.

نحن في منظمة أصدقاء الأرض في أوروبا وشركاؤنا في هذا الموضوع لا نرفض توجهاً على أساس السوق بحد ذاته. نحن نقيم كل اقتراح بناء على حسناته الخاصة، وننتقد أي أعمال قد تضر بالبيئة والمجتمعات المحلية.

حقوق المواطنين والاستدامة بعيدة الأمد يجب أن تأتي دائماً قبل مصالح الشركات. فنحن نعارض خطة خصخصة إذا جرت مخالفة المقاييس الاجتماعية والبيئية مثلاً وتم التعدي على مبدأ العدالة البيئية.

عندما يقابل قادة دول حوض البحر الأبيض المتوسط العرب نظرائهم من الاتحاد الأوروبي في تونس، يتوجب على هؤلاء القادة من المغرب إلى سورية إعادة النظر في تاريخ العام 2010 المستهدف لتأسيس منطقة التجارة الحرة الأوروبية المتوسطية. مهمة تاريخية كهذه يجب تمويلها جيداً، واتخاذ إجراءات يجرى تصميمها بدقة لضمان استقرار اجتماعي وسياسي ومن أجل حماية البيئة، لذلك يجب تعليق المفاوضات التجارية إلى حين إنهاء دراسة جامعة مانشستر الجارية بشأن الآثار البيئية والاجتماعية المحتملة على المنطقة. كما يتوجب بعد ذلك على الاتحاد الأوروبي وشركائه العرب أن يدخلوا توصيات دراسة تقييم الأثر على الاستدامة في مفاوضاتهم التجارية.

في الوقت نفسه يتوجب على الاتحاد الأوروبي أن يصر على أن تقوم الدول العربية بتطوير اقتصادات عادلة مستدامة تشجع التعليم وفرص العمل والصحة والرعاية الاجتماعية للجميع.

ويجب ضمان المشاركة العامة، بمعنى أن تسير التجارة الحرة جنباً إلى جنب مع تطوير الديمقراطية في المنطقة.

فؤاد حمدان

المدير التنفيذي لمكتب التأثير لمنظمة أصدقاء الأرض في أوروبا ومركزه بروكسل

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1403 - الأحد 09 يوليو 2006م الموافق 12 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً