بدعوة كريمة من أبناء حسين محمد شويطر (محمد، فؤاد) كنت بالأمس موجوداً في محلهم الذي هو علم من أعلام السياحة في مملكة البحرين... المحل يقع في بداية مدخل مدينة المحرق وهو عبارة عن عمارة قديمة تم تجديدها بشكل حضاري ومن دون أن تفقد هويتها القديمة، فأصبحت هي المكاتب الرئيسية لشركتهم الحلواتية... وهذه العمارة ملاصقة لمعمل الحلوى التابع لهم (والذي هو أول مصنع للحلوى البحرينية) ولها مدخل كبير لسيارات ضيوف البلاد، ومن ثم يوجد في الداخل كراجات كبيرة لانتظار الضيوف، ويقع بجانبه محل كبير يوجد فيه جميع أصناف الحلوى البحرينية والرهش المميز، والمحل مرتب بشكل أنيق وبكراسي قديمة ومجددة تجذب نظر الزوار الأجانب، وفيه الكثير من أواني صنع الحلوى والتي عمرها يتجاوز المئة وخمسين عاماً...

مدينة المحرق هي مدينتي التي ولدت وترعرعت ودرست بها... وهي المدينة التي تحمل لي أكثر الذكريات السعيدة لجميع سنوات طفولتي وشبابي ودراستي وأصدقائي وأصحابي، وهي المدينة التي ترقد في مقابرها أجساد أبي وأمي وأخواتي وكل أجدادي رحمة الله عليهم جميعاً... وكل ما تأتيني الفرصة لزيارة هذه المدينة... الفاضلة والمناضلة وعاصمة البحرين القديمة... أجدني أنشد شداً إلى بيتنا القديم في فريق الشيخ حمد ومدرستي الأولى وجيراننا الأولون، وأنجذب جذباً لطريقي إلى السوق من داخل (الدواعيس) مروراً بفريق الشواطرة وفريق البنائين المحاذي له...

الأخ محمد حسين شويطر هو زميلي في الدراسة من أول يوم دخلت فيه المدرسة في العام 1958م. ولي معه الكثير من الذكريات وتحكيها الصور القديمة التي أملكها بحوزتي، والأخ فؤاد حسين شويطر هو أخوه الأصغر منه سناً والذي كان معنا في المدرسة، ولكنه في الصفوف الأقل... هذان الأخوان مازالا متمسكين بالتجارة القديمة لآبائهم وأجدادهم، وهم يشرفون بأنفسهم على صناعة الحلوى البحرينية المميزة، والمحل الذي زرته بالأمس هو عبارة عن عمارة قديمة ومجددة لتكون مكاتب إدارة للشركة، ويقع فيها مجلس كبير يقدم فيه قطع من أطيب ما يعمله مصنعهم والقهوة العربية، ويحضر المجلس الصباحي غالبية رجالات وعمالقة الفكر في مدينة المحرق... طبعاً المجلس المسائي هو محجوز لكاتبنا الكبير وزميل المدرسة الأخ حافظ الشيخ صالح...

بالأمس كنا موجودين في العمارة... وبالضبط في مكتب الأخ فؤاد... ويتقدم الموجودين التاجر الكبير والفنان مرهف الحس الأخ راشد المعاودة، وبجانبه كان عضو المجلس البلدي والذي سيكون عضواً في مجلس النواب الشيخ صلاح الجودر، والأخ يوسف بوزبون صاحب الجولات الفكرية والمكوكية، والأخ الكبير محمد شويطر بطبيعة الحال، وبعض من الرجال المحترمين الذين هم موجودون، ولكن لا تحضرني أسماؤهم حالياً (فليعذروني)... النقاش الحامي الوطيس كان عن المجالس البلدية التي تفرق بين الناس بحسب الأهواء وبحسب أمور أخرى لا أريد ذكرها هنا، وهي تسعى دائماً للتدخل فيما لا يعنيها (فقط) حتى تعطل مصالح الناس الذين لا ترغب فيهم... الموجودون من التجار يؤيدون الخطوة التي اتخذتها وزارة البلديات والزراعة في إنهاء دور المجالس البلدية الحالية، وعضو المجلس الشيخ صلاح ومعه آخرون كانوا يشرحون التجاوزات...

في مجلس عيال شويطر (طبعاً) النقاش لا يحلو من دون الدخول في الأمور السياسية التي تهم المواطنين وتكون دائماً في صالح البلاد والعباد... الانتخابات البلدية والنيابية القادمة (إن شاء الله) كانت هي محور الأحاديث لجميع من كانوا في المجلس، بعضهم كان يتكلم عن الانتخابات الماضية وأسباب نجاح البعض وإخفاق البعض الآخر، وبعضهم كان يتحدث عن الانتخابات القادمة وحظوظ وفرص البعض في النجاح... لكن الغريب أن النقاشات كانت تدور وسط جو أسري فريد من نوعه، وقلما شاهدت مثله في أماكن أخرى، احترام متبادل وحب أخوي واستماع وإصغاء وعدم مقاطعة لكل من يتحدث أو يدلي بدلوه في أي من الموضوعات المطروحة...

الكرم الحاتمي من الأخ فؤاد شويطر يبدأ من لحظة الوصول... لأن غالبية الحاضرين (وأنا منهم) ليس في جيوبهم عملات معدنية لزوم مكائن وقوف السيارات، وهو يحتفظ في مكتبه بحصالة يرسل منها النقود لإطعام مواقف سيارات الضيوف... وعند الظهر يحين وقت الانصراف فيضع في سيارتي أنواعاً من أطيب ما ينتجه مصنعهم..