العيون كلها كانت تتطلع للمرأة الكويتية التي خاضت انتخاباتها النيابية الأولى نهاية الشهر الماضي، ولأن المرأة لم تنجح في الفوز بأي مقعد في مجلس الأمة، على رغم ترشح نحو 27 امرأة، بدأت التكهنات والتفسيرات المتعددة التي حاولت أن تستشف السبب وراء خسارة المرأة الكويتية.
وبدأت أكثر الاقتراحات المتعددة لإيجاد بدائل ربما تضمن للمرأة الدخول والفوز في المرة المقبلة. وعلى رأس هذه البدائل بالطبع يأتي اعتماد نظام «الكوتا» الانتخابية، الذي يعتبره البعض الحل السحري الذي يحفظ للمرأة حقوقاً حرمها المجتمع منها، في الوقت الذي يعتبره البعض مساً مباشراً بالمساواة التي تتم المطالبة بها بين الجنسين في كل من الحقوق والواجبات.
في هذا العدد من «جهينة» يستعرض الباحث الكويتي في الشئون الخليجية حمزة عليان خسارة المرأة الكويتية ، والآراء المختلفة المطروحة بشأن تطبيق نظام «الكوتا» لصالح النساء في الكويت.
خسارة المرأة الكويتية للانتخابات، هل تعني أن صندوق الاقتراع لم يكن الوسيلة المثلى للوصول إلى مجلس الأمة؟
وفشل المرأة الكويتية في الحصول على مقعد نيابي هل معناه أن المشكلة تكمن في قانون الانتخاب أم في المرأة؟
هل المرأة الكويتية «متميزة» عن قريناتها في دول الخليج بصفة خاصة أم أنها لا تختلف عنهن من حيث التجربة أو من حيث بيئتها الاجتماعية والتعليمية، وخصوصاً لأن ما حصل لها كان مشابهاً لما آلت إليه نتائج الانتخابات تقريباً في كل من البحرين وقطر.
إذاً أين المشكلة وما هي الخيارات المتاحة أمامها لتحقيق المشاركة السياسية بصنع القرار؟
هناك من يعترض أصلاً على طرح تلك الأسئلة ويعتبر أنه من المبكر الحديث عن خيارات جديدة بخلاف صندوق الاقتراع والمساواة بين الرجل والمرأة في موضوع الترشيح والتصويت، وأنه من المفيد إعطاء التجربة فرصتها الكافية من انتخابات قادمة فالأمر لا يستدعي الفزعة ولا طرح البدائل طالما أعطيت المرأة الحقوق نفسها، والفرص نفسها، والمساحات من الدعاية نفسها، داعين إلى جعل الوقت هو الحكم في هذه المشاركة.
اللجوء إلى نظام «الكوتا»
لكن نجد في المقابل من يعالج الموضوع بصيغة أخرى وهي أنه إذا كان صندوق الاقتراع فشل في إيصال المرأة وهو أساساً وجد بهدف المساواة بين الجنسين، فلماذا لا نلجأ إلى فكرة نظام «الكوتا» كما فعلت الكثير من البلدان الأوروبية والآسيوية وحتى العربية، فهذا الأمر من شأنه التعويض عن التمييز الفعلي الذي تعاني منه المرأة وهو في النهاية «تدبير مؤقت» على حد تعبير أستاذة القانون بجامعة الكويت بدرية العوضي ريثما تتوافر الظروف لفوزها في الانتخابات، وهذا النظام ليس بدعة أو اختراع خاص بالكويت بل ان هناك حوالي 81 دولة في العالم تأخذ به وتطبقه، أي أنها تقوم بتخصيص مقاعد للنساء في البرلمان وبذلك تمارس دورها التشريعي والرقابي أسوة بالرجل، وتحل معضلة قائمة بعدم إمكانية وصول النساء إلى المجالس التشريعية بالانتخاب.
ماذا يقول المعترضون؟
المعترضون على نظام «الكوتا» يعتقدون أنه إذا أخذت الكويت بهذا النموذج فإنها ترتكب تجاوزاً دستورياً وديمقراطياً وهو إقرار التمييز بين الرجل والمرأة، فالأصل في الترشيح والتصويت تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق، والمراد بإشراك المرأة في الانتخابات تحقيق الهدف منه وهو دخولها المعترك وخوضها للتجربة ونيلها لجميع الحقوق والضمانات التي أعطيت للرجل، وهنا ربما تكمن القضية ويطرح السؤال فإذا كان العيب في قانون الانتخابات وموضوع تعدد الدوائر فلنعد النظر في هذا القانون ونصلح الحال بدلاً من التفتيش عن مخارج لا يتوافر فيها مبدأ المساواة، أما إذا كانت المشكلة في النظرة الدونية للمرأة وعدم الثقة بها لتحتل منصباً نيابياً فهذا شأن آخر ويحتاج إلى علاج مختلف عما يطرح بالذهاب إلى نظام «الكوتا»... صحيح أن هذا الأسلوب قد يكون علاجاً مؤقتاً للتمييز «الجندري» ويحافظ أو يضمن حقوق المرأة لكنه ليس العلاج الأنسب والأسلم.
فرئيسة الجمعية الثقافية النسائية الكويتية شيخة النصف مثلاً تعتبر نظام «الكوتا» غير دستوري بقولها «لأننا طالبنا بالمساواة فلن نسمح بتمييزنا عن الرجال»، وتشاطرها بهذا الرأي مجموعة من القيادات النسائية لأن من شأن هذا النظام أن يجعل المرأة تهبط «بالباراشوت» على الحياة السياسية إضافة إلى أنه يتعارض مع الدستور الكويتي.
وفي مجمل النقاشات لمعارضي نظام «الكوتا» تتعدد أسباب أخرى منها خرق مبدأ المساواة وإلغاء تكافؤ الفرص، وكونه ممارسة غير ديمقراطية ، و إشاعة ثقافة النوع الاجتماعي الجندري وليس الكفاءة، علاوة على ما تشكله من مساس بحق المرشح الذي كان من الجائز أن يفوز بالمقعد فيما لو لم يخصص للمرأة، إلى جانب إجبار الناخب على اختيار مرشحة بالإكراه والأصل عدم تقييد الناخب ووضع أي قيد على حريته في الانتخاب.
أرقام عربية تقول «لا بد من الكوتا»
لكن أليس من الأجدى في هذه الحال التعلم من تجارب الدول الأخرى التي تتشابه إلى حد ما مع ظروف البيئة الكويتية؟ ومن قال أن عامل الوقت وتكرار الترشيح وخوض الانتخابات كفيلة بحل الإشكال وإيصال المرأة إلى المجلس التشريعي...
إن المسافة بين نيل حق الترشح والتصويت وبين الوصول إلى مقاعد المجلس كانت متفاوتة في عدد من البلدان العربية ووصلت إلى عشرات السنين أحياناً، ففي سورية حصلت المرأة على حق الترشح والتصويت العام 1953 ودخلت البرلمان العام 1973 أي بعد 20 سنة! وفي مصر حصلت على حق الترشح والتصويت العام 1956 ودخلت البرلمان العام 1957، وفي لبنان حصلت على حق الترشح والتصويت العام 1952 ودخلت البرلمان العام 1963 إذ صارت المدة الزمنية الفاصلة بين التاريخين نحو 11 سنة! أما في الأردن فحصلت المرأة على حق الترشح والتصويت في العام 1974 ودخلت البرلمان العام 1989 أي بعد 15 سنة! وفي اليمن حصلت على الحق نفسه في العام 1967 ودخلت البرلمان العام 1990 أي بعد 23 سنة، وفي المغرب حصلت على هذا الحق العام 1963 ودخلت البرلمان العام 1993 أي بعد 30 سنة.
خلاصة هذه الأرقام تعزز وجهة نظر المؤيدين لنظام «الكوتا» الذي يطلق عليه البعض صفة «التدخل الإيجابي» عن طريق قوائم الأحزاب أو بنص في قانون الانتخابات أو في الدستور.
لماذا الكوتا؟
في دراسة للباحثة الفلسطينية خديجة حباشنة أبوعلي على الموقع الإلكتروني للمركز الفلسطيني لتعميم الديمقراطية وتنمية المجتمع قالت: «إن استخدام نظام الكوتا للمرة الأولى في البلاد العربية كان في مصر في عهد الرئيس جمال عبدالناصر وبنص دستوري في تعديل العام 1964»، وتضيف أن هذا الحق ألغي فيما بعد وحاولت النساء المصريات استعادته لأن نسبة تمثيل المرأة تدنت كثيرا بعد إلغاء نظام الحصص في مصر إلى 2,4 في المئة لدرجة ان رئيس الجمهورية يقوم بعد كل انتخابات بتعيين مجموعة من النساء في البرلمان كنوع من التعويض عن الحصة، وقد لجأت دولتان عربيتان في السنوات الأخيرة إلى اعتماد نظام «الكوتا» هما المغرب والأردن لضمان تمثيل المرأة في برلماناتها إذ تم اعتماد الكوتا في المغرب عبر مرسوم ملكي بتخصيص 30 مقعدا للنساء كحد أدنى في انتخابات أكتوبر العام 2002 وفازت النساء بـ 35 مقعدا في حين لم يزد تمثيل المرأة المغربية في انتخابات 1997 عن امرأتين فقط.
أما في الأردن فقد تم اعتماد نظام «الكوتا» عبر تعديل في قانون الانتخاب بإيحاء وموافقة ملكية بتخصيص ستة مقاعد للنساء في البرلمان كحد أدنى إذ لم تتمكن أي من النساء المرشحات «17 مرشحة للانتخابات الأردنية العام 1997 من الوصول إلى مقعد في البرلمان على رغم الجهود الحثيثة التي قامت بها منظمات المرأة في الإعداد للانتخابات».
وتعاملت الدول التي طبقت نظام «الكوتا» معه كتدبير مرحلي ومؤقت بوصفه نوعاً من الحياد الاجتماعي حتى يصل المجتمع إلى مرحلة تسقط فيها العوائق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أمام مشاركة المرأة في السياسة كما يشرح ذلك الدكتور محي الدين رجب البنا، الذي يتجاوز فيه مفهوم المساواة كما هو حال الكثير من علماء الاجتماع إلى تكافؤ النتائج بدلاً من تكافؤ الفرص على أساس أن إسقاط الحواجز الرسمية ليس كافياً في ظل المعوقات القائمة على الأرض.
آليات متعددة للكوتا تضمن «المساواة»
وهذه الدول تعمل وفق نظرية «تحقيق المساواة» هي في واقع الأمر لا تخرج عن كونها نوع من التعويض للمرأة عن التمييز الذي تعانيه.
والميزة الأساسية «للكوتا» كما تقدمها الباحثة خديجة حباشنة أبوعلي، توفير فرصة للتنافس بين النساء المرشحات في ظل ظروف متكافئة نسبياً على المقاعد المخصصة للنساء إذ يتم التنافس المفتوح بين المرشحين والمرشحات بشروط غير عادلة.
ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن عند سماع «الكوتا» هو أنه يقوم على فكرة التعيين، لكن الحقيقة بخلاف ذلك فالدولة التي تأخذ بهذا النظام تبينه في قانون الانتخاب ففي الأردن مثلاً تقوم اللجنة الخاصة بتحديد أسماء الفائزات بالمقاعد الإضافية المخصصة للنساء على أساس نسبة عدد الأصوات التي نالتها كل مرشحة من مجموع أصوات المقترعين في الدوائر الانتخابية التي ترشحت فيها. أما في العراق فقد صدر قانون الانتخاب للعام 2004 بنصه على وجوب وجود اسم امرأة ضمن أسماء أول ثلاثة مرشحين في القائمة الانتخابية وتنفيذاً لذلك تضمنت القوائم الانتخابية أسماء عدد من النساء.
وتختلف آليات اعتماد «الكوتا» من دولة إلى أخرى، إذ إن هناك عدة طرق لتلك الآليات ، فإما أن تتم عن طريق تخصيص الأحزاب نسبة للنساء في القوائم التي ستخوض الانتخابات أو عن طريق الدستور أو قانون الانتخاب، وإما بقرار سياسي من الملك أو الأمير أو الرئيس.
باحث في الشئون الخليجية ومدير مركز المعلومات والدراسات في صحيفة «القبس» الكويتية
إقرأ أيضا لـ "حمزة عليان "العدد 1402 - السبت 08 يوليو 2006م الموافق 11 جمادى الآخرة 1427هـ