مرة أخرى ارتفعت المطالبات بإلغاء بعض القوانين والقرارات التي أصدرها الحاكم المدني السابق في العراق بول برايمر، لكن المطالبات هذه المرة تصدر من رئاسة الوزراء العراقية الجهة المنتخبة قانونياً وديمقراطياً بشهادة واشنطن.
لقد سن برايمر نحو سبعة وتسعين قانوناً شكلت وضع العراق ما بعد احتلاله في العام 2003 وحتى الآن، وعلى رغم أن بعضها ألغي أو أعيد النظر فيها فإن معظمها مازالت فاعلة في القوانين العراقية وتشيع بشكل مباشر أو غير مباشر العنف والعنف المضاد الذي يتغذى عليه الإرهاب والفصائل المسلحة بالإضافة إلى الميليشيات الحاكمة في العراق الجديد.
أصدر برايمر الكثير من القرارات في مقدمتها قانون إدارة الدولة العراقية الذي أسس للدولة الطائفية، وقانون النشر الذي حدّ من الحريات الصحافية، بالإضافة إلى قانون إنشاء مؤسسة «الذاكرة» السيئ الصيت الذي أوكل إليه تعويض اليهود الذين هاجروا من العراق إلى فلسطين في نهاية الأربعينات بمليارات الدولارات، على رغم أن الوثائق العراقية تؤكد أن اليهود العراقيين باعوا ممتلكاتهم وأملاكهم كما أسقطوا جنسياتهم طوعاً قبل الهجرة إلى فلسطين.
كما أصدر برايمر قرارات عدة قبل مغادرته العام 2004 تقضي بتعيين أشخاص من أصول عراقية وغير عراقية تحت عنوان وظيفي (مستشار) لمدد تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات لا يمكن لأية حكومة إلغاء قرار التعيين أو الإقالة مادامت القوات الأميركية موجودة على الأرض، ويتولى هؤلاء «المستشارون» إدارة «المصالح العراقية» وفق وجهة النظر الأميركية وربما من دون العودة إلى الحكومة العراقية المنتخبة.
ولعل أخطر القرارات التي أصدرها برايمر هو عدم متابعة مرتكبي الجرائم من القوات المحتلة ومطالبتها قضائياً، وهو القرار الذي شجع الآف الأميركيين والبريطانيين في العراق على ارتكاب جرائم مختلفة بحق العراقيين ابتداءً من فضائح التعذيب في سجن أبوغريب إلى قيام جندي أميركي مع رفاقه باغتصاب امرأة عراقية وقتلها مع ثلاثة من افراد عائلتها منهم فتاة في الخامسة من العمر في مارس/ آذار الماضي في مدينة المحمودية.
الدول قد تسمى بقوانينها، والأميركان استبدلوا بـ «عراق صدام» القمعي «عراق برايمر» الإجرامي الذي لم يجرؤ أحد من المسئولين العراقيين حتى الآن على مناقشة هذه القوانين أو المطالبة بتعديلها أو إلغائها بصوت عال، اللهم إلا عندما ألغت الحكومة العراقية الأولى (حكومة أياد علاوي) قرار منع الإعدام في محاولة منها لوضع حد للعمليات الإرهابية والقتل الجماعي. أما دعوة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي التي أعلنها أمس الأول لمراجعة «الحصانة» التي تتمتع بها القوات الأجنبية ضد القوانين العراقية، هذه الحصانة التي منحها برايمر في يونيو 2004 ستشكل في حال إلغائها رادعاً مهماً لجنود الاحتلال في الاستمرار بحالات القتل والتعذيب والاغتصاب، وسيكون على القوات الأميركية والبريطانية أن تنسحب من المدن العراقية، وحينها قد تبدأ مرحلة إعادة النظر في كل قوانين برايمر لتبدأ بعدها مرحلة ما يمكن أن نسميه «عراق العراقيين»
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 1401 - الجمعة 07 يوليو 2006م الموافق 10 جمادى الآخرة 1427هـ