في المعركة الدائرة بين الاحتلال الاسرائيلي والشعب الفلسطيني الاسير ثمة من يريد أن يصور للرأي العام العالمي أن المعركة إنما تدور بين «جيشين» متحاربين وبالتالي فإن هناك ثمة «عنف وعنف مضاد» وأنه إذا ما أريد لهذه القضية التي باتت تعرف «بأزمة الشرق الأوسط» فإنه لابد من التوصل إلى حل ما أو تسوية ما توقف دور العنف والعنف المضاد!
ليس صحيحاً ذلك مطلقاً، وكل من يقع في فخ مثل هذا التصوير المشوه سيخرج باستنتاجات خاطئة وقاتلة لا محالة.
كل ما في الأمر أن جيشاً من المعتدين والمحتلين والغاصبين للأرض والحقوق ومثلهم من «السياسيين» والمستوطنين الميليشياويين المدججين جميعاً بأعتى الاسلحة الجهنمية ومنها كل اسلحة الدمار الشامل التي توصل إليها العقل البشري المجنون يخوضون حرب ابادة شاملة ضد شعب اعزل حتى من أبسط أنواع السلاح الفردي منذ نحو قرن من الزمان في محاولة يائسة لتزييف الحقائق الجغرافية والدينية والجيوبوليتيكية والديموغرافية وغيرها التي تثبت يومياً بما لا يدع مجالاً للشك والترديد حتى لعتاة الظلمة في العالم بأن فلسطين للفلسطينيين، وان كل ما عدا ذلك فوق هذه الأرض طارئ وزائل ولابد أن ينهار ويرحل يوماً طال الزمن أم قصر.
هذه المقدمة كان لابد منها للاطلال على قضية الجندي الصهيوني الاسير لدى اللجان الشعبية المقاومة للاحتلال والذي تم أسره في عملية عسكرية بحتة لا ترقى إليها أية شبهة من شبهات الحاق الأذى بالمدنيين أو الأبرياء أو ما شابه ذلك من المقالطات التي ترمى بوجه الدفاع الفلسطيني اليومي.
إن السؤال المركزي اليوم هو: لماذا هذا «الاندفاع» العسكري الاسرائيلي المجنون باتجاه قطاع غزة على رغم الأجواء التي كانت تهيأ قبل حادث أسر الجندي الصهيوني باتجاه تطبيق ما يسمى بخطة أولمرت «للانطواء»؟! هل صحيح ان ما يحصل هو من أجل اطلاق سراح هذا الجندي؟!
ثمة من يقول نعم وهذا ديدن «اسرائيل» مع جنودها! لكن ثمة من يقرأ الأمور بشكل مختلف ويقول: إن حكومة أولمرت وبعدما فشلت في فرض بشكل من اشكال الحرب الأهلية على الفلسطينيين في إطار خطة هروبها من غزة ومشروع «الانطواء» الذي يطالب بخور الاردن والمستوطنات الكبرى في الضفة والجدار العنصري العازل وضم القدس نهائياً وفوجئت بالوعي الفلسطيني المتنامي باتجاه ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية تحديداً في اللحظة التي توصل فيها الفلسطينيون إلى مشروع وثيقة الوفاق الوطني الشهيرة قررت إعادة اقتحام غزة التي هربت منها وان ذلك كان سيحصل سواء كانت قد حصلت العملية العسكرية الفلسطينية الفدائية أم لم تحصل. لماذا؟! لأن رأس أولمرت في الميزان الصهيوني هو المطروح! نعم رأس أولمرت وليس رأس جندي بسيط، نعم رأس أولمرت كان سيقدم «قرباناً» على مائدة المتطرفين الصهاينة الأكثر غلواً منه وما كان أمامه بالتالي إلا الخروج على خطة الانطواء والعودة إلى دائرة المواجهة المباشرة مع الشعب الفلسطيني بأسره.
إنها قدرة صاحب الحق حتى لو كان أعزل في تعديل ميزان القوى لصالحه. نعم، لا يظن أحد ولا للحظة واحدة بأن ساعة «اسرائيل» الحالية هي ساعة قوة على رغم كل الجبروت الظاهري المادي الذي تكشر عنه ترسانتها العسكرية.
إنها تقاتل مختبئة وراء جدار عنصري غير قانوني ومن أجل ماذا؟! من أجل «الانطواء»! تذكروا شعارها المرفوع على الكنيست؛ «اسرائيل» من النيل إلى الفرات!
أين أصبحت هذه الاحلام؟! ألم تصبح في خبر كان؟! صدقوني انهم يألمون كما تألمون ويرجون من الله ما لا ترجون وانتم الأعلون على رغم كل جعجعة الترسانة العسكرية والضجة الإعلامية المرافقة لها. بشرط أن يكون تقديركم وتقديرنا للمواقف صحيحاً.
لا أحد فيهم أو منهم قادر على الاذعان لهذه الحقائق، ولهذا السبب فقط هم مرددون في انجاز صفقة التبادل.
إنهم يبحثون ايضاً عن سقاط فتح وحماس وليس حماس فقط. لاعليكم بضعاف النفوس من هنا أو هناك ممن يعملون كأدلاء لديهم. إنهم يشعرون بقوة الشعب الفلسطيني المتراص الصفوف، الذي لايزال يبهرهم بوعيه وعنفوانه وعزة نفسه على رغم الجوع والعطش والحصار وغدر الكبار والصغار وعدم انصافهم له وهو الضحية وهو الاسير! إنها معركة صبر ساعة، وتنتصرون فيها على المحتل الغازي مرة أخرى كما انتصرتم في معارككم السابقة، شرط التمسك بالوحدة الوطنية والامساك باتجاه البوصلة الصحيح. إن عالمهم يتراجع فيما عالمكم يتقدم. لهم الماضي ولكم المستقبل، ولكن مرة أخرى بشرط البقاء متوحدين متراصين شاخصة ابصاركم نحو القدس والوطن الكبير، وليس نحو السلطة الزائفة والزائلة. إنهم هم العدم وانتم الوجود. ودولتهم راحلة فيما دولتكم صامدة وباقية. ودولتكم عزيزة فلسطين فيما دولتهم ستذهب في غياهب «الانطواء» والتحلل والزوال لا محالة
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1401 - الجمعة 07 يوليو 2006م الموافق 10 جمادى الآخرة 1427هـ