المسئولون عن الشئون الدينية في عدد كبير من الدول اجتمعوا في موسكو الأسبوع الماضي، ودعوا إلى إقامة نظام عالمي يعتمد العدل والحوار وشجبوا استخدام الدين لتبرير الإرهاب بأي شكل كان. والاجتماع الذي ضم المسيحيين واليهود والمسلمين والهندوسيين والبوذيين يعتبر مهماً، وهو يعادل الاجتماع الموازي لمنظمات المجتمع المدني الذي انعقد العام الماضي قبيل انعقاد «منتدى المستقبل» الذي تتبناه مجموعة الدول الثماني بهدف إصلاح الشرق الأوسط الكبير.
الاجتماع الديني الموازي انعقد في موسكو أيضاً في هذا الإطار، إذ سيجتمع قادة الدول الثماني في منتصف الشهر الجاري ومن المفترض أنهم سيتسلمون التوصيات التي نتجت عن الاجتماع المذكور.
اجتماع رجال الدين ضمن إعداد الأجندة التي تجمع الدول الاقتصادية الكبرى يعتبر مهماً، وهو شبيه بمبادرات أخرى. فالأمم المتحدة جمعت رجال الدين لتستمع إليهم قبل عدة سنوات والمنتدى الاقتصادي العالمي (منتدى دافوس) لديه تشكيلة مشابهة مع رجال الدين، إذ يجتمع مع نخبة منهم (نحو مئة شخصية) لتداول الأفكار معهم بشأن قضايا التنمية والسياسة على مستوى العالم.
كل ذلك يشير إلى أن «الدين» أصبح مكوناً رئيسياً للسياسة الدولية، وأن المقولة العلمانية الصارمة التي تتحدث عن فصل الدين عن السياسة لم تعد قائمة على واقع الأرض، وقادة الدول الكبرى توصلوا إلى نتيجة مفادها أنه من الأفضل لهم أن يمدوا الجسور مع المؤسسات الدينية ويتحاوروا معها بدلاً من تجاهلها، أو استعدائها.
إن ما حدث لا يعني أن الدول الكبرى تؤمن بدمج السياسة مع الدين، لكن القطيعة التي كانت تدعو إليها العلمانية القديمة انتهت، والجميع يبحث عن مد الجسور وفتح أبواب الحوار والاستماع للفريق الآخر.
الدين هو الملجأ الذي يحتمي به الناس من ظلم الدنيا، وهو يعبر عن ناموس في فطرة الإنسان يدعو إلى العدالة وإلى توازن الجوانب المعنوية مع الجوانب المادية... ومن المؤسف أن الدين أصبح أداة لبعض الحركات بهدف تبرير الأعمال الإرهابية والجميع يعلم الآثار المدمرة لاستغلال الخطاب الديني في هذا المجال.
إن المؤسسات الدينية إذا أصبحت خارج التأثير الرسمي فإنها سرعان ما تجد مجالها بين الناس، لأن شرعيتها مستمدة من مصادر أخرى، والناس لا يرتبطون بأية جهة تتحدث باسم الدين، وإنما هناك معادلة معقدة متداخلة وكل رجل دين وكل هيئة دينية تحصل على شعبية تمر بامتحانات كثيرة مع جمهورها قبل أن يتوسع نفوذها، والخشية هي في القطيعة بين المؤتمرين دينياً والماسكين بزمام الأمور دنيوياً، لأن تلك القطيعة تؤدي إلى التطرف وإلى سوء الفهم، وربما إلى الإرهاب.
إن استماع قادة الدول الصناعية الكبرى إلى توصيات المؤسسات الدينية يعتبر بادرة خير، وأملنا في أن تكون هذه الحوارات بين جهات لها صدقيتها لكي تنتج لنا إطاراً سياسياً أكثر إنسانية وأكثر عدلاً
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1401 - الجمعة 07 يوليو 2006م الموافق 10 جمادى الآخرة 1427هـ