قبل خمسة أيام، أجرت صحيفة «الشروق» الجزائرية، لقاءً صحافيًا، مع يوسف شاكير. ولمن لم يسمع بيوسف شاكير، فإن هذا الرجل، عُرِفَ بدفاعه المستميت، عن نظام الزعيم الليبي الراحل، معمَّر القذافي، حتى الرَّمق الأخير. وبعد اقتحام العاصمة طرابلس، من قِبَل الثوار، فرَّ إلى مدينة بني وْلِيد، الموالية جداً للقذافي (ومازالت)، واستمرَّ في الدفاع عنه من هناك، ثم فرَّ إلى الحدود الجزائرية، لكنه مُنِعَ من دخول الجزائر، ثم فجأةً شوهِد في سورية، حيث أخذ من هناك، يقدِّم برامج تدافع عن القذافي على قناة «الرأي» المملوكة للنائب العراقي السابق مشعان الجبوري.
أرجع مرة أخرى لمقابلة شاكير، في صحيفة «الشروق»، فقد سأل المراسل بأن، هناك شريط فيديو يظهر فيه شاكير (في أحد برامجه على التلفزيون الليبي) وهو يحمل السّبحة في يده، مُستغيثاً بعشائر الجن، ليُغيثوا ليبيا، ويُدمّروا أعداءها! طالباً منه تفسيراً حول ذلك. ردَّ شاكير قائلاً «تفاهمت مع المخرج (وهو حيٌّ يُرزق)، وقلت له ركِّز الكاميرا على السّبحة في يدي، وأثناء الحلقة بدأت يَدِي ترتعِش، وبدأتُ أقول كلاماً غريباً وغامضاً ثم رميت السّبحة، وبعد ذلك حصلت مجموعة من الحوادث والزلازل في العالم، فربط الناس واعتقدوا أني أستعين بالجن»!
هنا، لست في وارد التهكُّم مما ورد على لسان شاكير، فما فيه يكفيه لأن يُصبح قابلاً للتندُّر، وإنما عَجَبِي كل العجَب، من الأشخاص الذين يتوسَّلون كل شيء من أجل الدفاع عن حاكمٍ مستبد، بما فيها الخرافات والتجديف السياسي. فليس من الصعب أن تختصر القول إذا ما كان لديك ما تقوله، كما كان يقول الفيزيائي الألماني جورج كريستوف لشتينبرغ. دائماً ما أتساءل: ماذا يُريد الدَّجالون من أصحاب الألسنة، وأصحاب الأقلام المأجورة من إثباتات، لكي يتيقنوا من أن هذا الحاكم ليس بعادل، وأن حكمه حُكْمٌ لا يستقيم مع المبادئ الإنسانية في أدناها حتى!
إذا كان هذا الحاكم، وهذا النظام، لا يقيم انتخابات نزيهة، وليس لديه مؤسسات دستورية فاعلة (غير مجوَّفة) ولديه من معتقلي الرأي، والمواقف السياسية ما لا تخطئه العين، ولديه ضحايا قتل وتعذيب، ومُسوِّراً نفسه بجوقة من الفاسدين والاستئثاريين، ولديه نزعة طائفية أو قبلية أو قومية يُميِّز على أساسها بين شعبه، وقابعٌ في السلطة منذ عشرات السنين، ولا يملك قضاءً نزيهاً، ولا حرية في الصحافة، ولا الشعائر الدينية، ومستأثراً بثروة البلد له ولأسرته ومريديه ومفسديه، فماذا بقِيَ من الأدلة، لأن يُدان بالحكم الفاسد؟
هنا يصبح الدعاة، والمثقفون والكتاب والفنانون، والسياسيون المتحالفون معه، انتهازيين ومتشاركين في جرمه المشهود. فإذا كنتَ تكره شخصاً ما، فأنت تكره شيئاً ما بداخلك تجده فيه، فما ليس بداخلنا لا يزعجنا، كما كان يقول الأديب السويسري هرمان هسه، والعكس في ذلك واقع أيضاً؛ فعندما ترضى عن أفعالٍ مشينة، فهي متماثلة حتماً مع مشينيَّتك، لا أكثر من ذلك ولا أقل. وإلاَّ ما الذي يجعلك ترضى بتلك الأفعال، وتدافع عنها، إذا كان الضمير، والأخلاق والمنطق والعقل يرفضونها جميعاً؟ لذا فإنني أقول (كما هو منطق أي مُدرك وعاقل) إن الأمور واضحةٌ في تلك المواقف المشينة وضوح الشمس، ولا لبْس فيها: إنها الأنانية الذاتية المطلقة. لا وطنية، ولا شرف، ولا دفاع عن الوطن، ولا عن الشعب، فهذه عناوين كبيرة لا صلة لهم بها أبداً.
ماذا يُساوي الفرد ومصالحه ورغباته وحاجاته، أمام مصالح الأمة وحاجاتها؟ إن المقارنة في ذلك غائبة تماماً. كان فان بتهوفن، قد أهدى إحدى سيمفونياته الموسيقية الراقية إلى امبراطور فرنسا نابليون بونابرت، عندما كان الأخير متدثراً ومدافعاً عن القيم التي أوجدتها الثورة الفرنسية، لكنه، وعندما رأى فيه جنوحاً نحو الامبريالية وقمع الشعوب، كما حدث أن فعل ضد بعض جيران فرنسا، سَحَبَ تأييده له، لأن ذلك لم يكن منسجماً مع ما فيه، وما يحمله من قيم عليا. فالأفكار العليا لابد لها من لغةٍ عليا كما قيل، بل ولابد لها من روح عليا كذلك.
كل الأنظمة التي انهارت كانت تمتلك أبواقاً تؤلهها. العراق، تونس، مصر، ليبيا، اليمن، وأيضاً عند الأنظمة القمعية المتخلفة، التي مازالت قائمة وتعتقد، أن الإنسان، لا مكان لرأيه ولا لحيِّزه لأن يلعب دوراً في الدولة. أبواقٌ لا تستحي أن تقول في الحاكم الظالم أنه عادلٌ، في حين أن دماء ضحاياه مازالت مسفوحة طريَّة تحت نعليه، ولا تخجل أن ترقص على ضحايا ذلك الحاكم المستبد، فتسمِّيهم جرذاناً أو خونةً أو عملاء، بل وتزكِّي أعمال القتل والتعذيب بحقهم.
الأدهى من ذلك وأمَر، أن أولئك المأجورين يقومون بذلك العمل الشنيع في تأييد الظلم وتشريعه، دون أن يردعهم من أن يلقوا خطبةً في صلاة، أو في محفل، يدعون فيها الناس للخير والفلاح، ونسوا أنه «عيبٌ عليَّ وعدوانٌ على الناس... إذا وعظتُ وقلبي جلمدٌ قاس»، كما قال الشاعر الكبير سعدي الشيرازي. هؤلاء لا يحملون أيَّ نعت غير أنهم مأجورون، يقولون ما يُطلب منهم، في سبيل الدِّرهم والمائدة.
أعود، إلى يوسف شاكير مختتماً، فقد سأله المراسل في ثنايا اللقاء، كيف كنتَ تدافع دفاعاً شرساً عن العقيد القذافي، وسَكَتّ عن كل التجاوزات التي ارتكبها نظامه من اغتصاب وغيرها؟ فردَّ شاكير، أنه لم يلتقِ القذافي في حياته ولو مرةً واحدة، وأن الذي جرى على ليبيا لا يعدو كونه مؤامرة، لكن كيف لهذا الرجل، أن يتجاوز الجانب الأوضح من الانتهاكات لنظام العقيد القذافي على أقل تقدير، بعيداً عن الجرائم التي انتهكها الناتو خلال الثورة الليبية؟ هل يُمكن أن يتجاوز مجزرة سجن أبوسليم، أو اختطاف المعارضين وتصفيتهم في أوروبا ومصر؟ هل لا يستطيع شاكير أن يتذكر عمر المحيشي، وقد جيء به مُخدَّراً من المغرب ليلقى حتفه على يد القذافي؟ وهل لا يستطيع أن يتذكر عمر النامي وموسى الصدر وغيرهما بلا عَد، لكي يرفع راية المعارضة ضد القذافي؟
هذا السلوك لا يعدو كونه تزييفاً، وهراءً وضحكاً على الضمائر قبل الذقون، فالقتلة لا يبحثون عن فلسفة، بل يبحثون عن أجورهم، كما قال الخطيب والكاتب الروماني شيشرون.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3563 - الجمعة 08 يونيو 2012م الموافق 18 رجب 1433هـ
العراق لم ينهار
الولايات المتحدة الامريكية هي التي اسقطت النظام الوطني في العراق وليس الشعب العراقي والدين يحكمون الان اسيادهم الامريكان لاتغالط نفسك ايها الكاتب جاؤابهم علي الدبابةالامريكية بالمناسبة رجالة في السجن ورغم الاغراءت بخروجهم من السجن ادااعترفوا علية رفضوا المساومة علي المبادي هكدا البعثين الشرفاء علي مد العقود لم يتخلوا عن مبادئهم عاش البعث
الاقتتات على السلطة
هنالك موظفو حكومة وظيفتهم مرهونة ببقاء النظام الحاكم لذلك ستراه يجتهد لكي يحارب من أجل نظام و إن كان لا يؤمن في قرارة نفسه أنه النظام النموذجي ، و كما تفضلت يا أستاذنا الصحفي بطرح نموذج لموظف أقتات على نظام ثار ضد دكتاتور ليجلس مكانه ! و غير أسم الجمهورية إلى جماهيرية ليعلل عدم التنحي عن الحكم بأن الجماهير الشعب أختارتني رئيساً مطلقاً !!
الدينار والدرهم
هؤلاء هم عبدة الدرهم والدينار . مقال رائع استاذ محمد