العدد 3563 - الجمعة 08 يونيو 2012م الموافق 18 رجب 1433هـ

ماذا تعرف عن الله؟

ياسر حارب comments [at] alwasatnews.com

حكى لي أحدهم أنه مَرّ في حياته الفكرية بمرحلة إلحادٍ استمرت عدة سنوات، حيث عجز، في تلك الفترة، عن إيجاد إجابات شافية لكثير من الأسئلة التي كانت تقض مضجعه. فكلما سأل عن شيء في الوجود أو في الدين أتته نفس الإجابات الجاهزة من مصادر مختلفة. يقول: «صرتُ ملحداً ومارستُ كل الرذائل، ولكن كان في صدري هاجسٌ يحدّثني بأن هناك رباًّ في السماء».

وعلى رغم إصراره على سؤال كل رجل دين تسنح له الفرصة لمقابلته فإنه كان يزداد بُعداً عن الإيمان. لكنه من خلال قراءاته في المادية العلمية، ودراسته لعلم الطاقة، واطلاعه على كتابات مجموعة من الفلاسفة؛ استطاع أن يضع قدمه على أول الطريق الذي قاده إلى الله؛ فلقد كانت تلك القراءات تخاطب عقله وتحترمه، حتى على رغم أن بعضها ينفي وجود ربّ، إلا أنها، على حد قوله، كانت تدفعه إلى البحث عنه حتى وجده.

ومثل هذا الرجل الذي وصل إلى الإيمان بعد صراع فكري وروحي طويل، نجد أن الذين يعتنقون الإسلام أكثر فهماً له، وأكثر تسامحاً في الحياة إذا ما قورنوا بكثير من الذين وُلِدوا مسلمين. فمن النادر أن تجد مسلماً جديداً يكفّر غيره من المسلمين أو يُبدّعهم (وأعني بالجديد أي أنه لم يولد مسلماً لكنه أسلم بعد أن عقل). ولا أذكر متى كانت آخر مرة سمعنا عن مسلم جديد قام بعملية إرهابية.

إن غالبية الذين اعتنقوا الإسلام لم يُسلموا من خلال الوعظ، ولكن من خلال قراءتهم للبعد الوجودي والفكري للإسلام، حيث قال لي أحد المسلمين الجدد من بريطانيا إنه أسلم بعد أن قرأ رسالة ماجستير عن مكانة المرأة في الإسلام، ولم تكن الرسالة تتكلّم عن مكانتها كأم وكزوجة وغير ذلك من الكلام المُكرّر، على حد قوله، لكنها كانت تبيّن مساهمة المرأة في ترسيخ الدعوة الإسلامية بدءًا بموقف أم المؤمنين خديجة مع الوحي. ثم دفعه الفضول إلى الاسترسال في قراءاته ليكتشف بأن الإسلام لا يقتصر على عقوبة الزنى وشرب الخمر ومقاتلة الكُفّار كما كان يتصوّر؛ بل إنه أنتج فلسفةً عن الوجود، وعن التكوين، وعن الإنسان والمادة والعلم، حتى التقى يوماً بعالمٍ مسلمٍ يتحدّث عن قدرة الله تعالى وعلمه، فقال في نفسه: «ربٌّ بهذه العظمة لهو جديرٌ بأن يُعبد، ودينٌ بهذا العُمق لهو جديرٌ بأن يُتَّبَع».

أتساءل الآن: هل أنت مُسلمٌ عن قناعةٍ أم لأنك وجدت أبويك هكذا؟ ماذا تعرف عن الإسلام غير أركانه وبعض أحكامه؟ ولكي أُقرّب لك السؤال أكثر: كيف يمكنك إثبات أن الإسلام هو الدين الصحيح من دون أن تستشهد بالقرآن والسنة؟ والسؤال الأهم على الإطلاق: ماذا تعرف عن الله؟ عن علمه، وقدرته، ورحمته، وبطشه، وعظمته. ماذا تعني لك آية: «وإذا سألك عبادي فإني قريبٌ؟» ماذا تعني لك كلمة «قريب»؟ وكيف سبقت رحمتُه عذابَه؟ وكيف تجتمع معاني مثل شديد العقاب ورؤوف رحيم في كتاب واحدٍ؟

وكيف لشخص لم ينشأ على تعاليم الإسلام، ولم يقرأ القرآن مثلما قرأناه، ولم يحضر دروس الوعظ وخُطَب الجُمَع مثلما فعلنا، أن يكون أكثر تسامحاً مِنّا؟ أنا لستُ ضد الوعظ لكنني ضد الإكثار منه وابتذاله كما يفعل البعض، حتى أصبح في أماكن كثيرة عملاً روتينياًّ لا يؤثر في الناس ولا يحرّك مشاعرهم.

نريد، إلى جانب الوعظ، أن نَعْرف عن الله أكثر، ولا أعني بمعرفته أي فهم كينونته جلّ وعلا، فذلك علمٌ يتجاوز إدراكنا البشري، لكنني أعني بذلك فهم تعاليمه بعقولنا لا بقلوبنا فقط، والخوض في الأفكار الإنسانية الكُبرى، العلمية والأدبية، حتى نفكّ بعض رموز الوجود.

أعتقد تماماً أن الفهم الحقيقي والصحيح للنص المقدس لا يمكن أن يتأتّيا من خلال علم اللغة وعلم الدلالات والمعاني والعلم الشرعي فقط، لكن بالبحث في الفلسفات والعلوم المادية أيضاً، التي تشترك في جوهرها وغاياتها مع العلم الشرعي؛ أوَليست سعادة الإنسان هي الغاية من كل ذلك؟

إن بعضنا يُحبّ الله لكنه لا يعرفه، ويخاف بطشه أكثر مما يرجو رحمته، لذلك تأزمت علاقتنا به جلّ وعلا، وصرنا ندور في دوّامة الخوف والرجاء، وكل ما نفقده في هذه العلاقة هو أن نؤمن به عن فهمٍ وإدراك؛ حتى نعبده بإخلاص.

إقرأ أيضا لـ "ياسر حارب"

العدد 3563 - الجمعة 08 يونيو 2012م الموافق 18 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 12:32 م

      القرءان الكريم

      ادا ارت ان تعرف اللة فادهب لقراءة القراءن فية كل صغيرة وكبيرة الااحصاها سبحان اللة والحمد للة علي هدة النعمة التي اعطاني اشكر يارب مليون مرة اتعرف لمادا انا مرتحان كلة من اللة فالشكرللة

    • زائر 3 | 8:42 ص

      "كيف يمكنك إثبات أن الإسلام هو الدين الصحيح من دون أن تستشهد بالقرآن والسنة؟"

      هذا هو السؤال الذي بدأت في البحث عن إجاباته منذ 3 أشهر فقط، وأنا لم أصل للعشرين من العمر بعد، تدور في بالي مثل هذه التساؤلات.
      الملحدون بشكل عام مثقفون، على عكس ما كنت أتوقعهم، ويستدلون على إلحادهم بالعلم، أي أنهم يعتقدون أن العلم هو سبب تطور الأشياء وعملها وليس الله، وهذه بالطبع نظرية لاتخلو من خطأ، فهم يضعون العلم مقابل الله، ولا يلتفتون أن كل العلوم التي نعرفها اليوم هي جزء بسيط من علم الله تعالى، ولذلك فإن اكتشاف العلوم الجديدة عملية غير متوقفة.

    • زائر 2 | 7:39 ص

      أنا أيضا سوف أقتبس وأعلق إذا سمحت!

      اولا: نحن الذين نخاف بطشه أكثر مما نرجوا رحمته لأننا لا نعرفه حق معرفته ولانعبده حق عبادته والتقصير منا نحن وتتأزم علاقتنا مع الله جل في علاه وليس به عز شأنه.
      ثانيا :( أن نؤمن به عن فهم وإدراك ،حتى نعبده بإخلاص) لابد من تدبر قرآنه ونحن عاجزين عن التدبر في كثير من المواضع ،وألفت إنتباهك الى أنك ياأستاذ كتبت الآية التي استشدت بها خطأ بعد أن أزلت (عني) ونجزم أن تكون سهوا مع تحياتي/أخوك أبو سعود.

    • زائر 1 | 3:24 ص

      طرح موفق استاذ حارب لكن صدقني هذا الطرح سيجعلك مغردا خارج السرب وعليك تحمل تبعاته

      "إن بعضنا يُحبّ الله لكنه لا يعرفه، ويخاف بطشه أكثر مما يرجو رحمته، لذلك تأزمت علاقتنا به جلّ وعلا، وصرنا ندور في دوّامة الخوف والرجاء، وكل ما نفقده في هذه العلاقة هو أن نؤمن به عن فهمٍ وإدراك؛ حتى نعبده بإخلاص".

      اغلبية المسلمين مسيرين في دينهم وفي طقوسهم الدينية وان حاد البعض واستفسر عن بعضهااتهم بالشرك والالحاد والفجور والزندقه وللاسف هذا هو مجتمعنا يسيره بعض المتاسلمين ممن اسبغ عليهم صفة القداسة الذين لايفقهون سوى التكفير لاجل مصالحم الشخصية او الجماعيه .

اقرأ ايضاً