في مقالنا الثاني عن الأداء السياسي للإسلام السياسي السني نسلط الضوء على النقلة النوعية والمخاض السياسي غير المسبوق الذي يعيشه التيار السياسي السني وما استجدّ على هويته السياسية واستقلاليته منذ انتفاضة 14 فبراير/ شباط 2011 وحتى الآن وانعكاسات ذلك على العملية السياسية في البحرين.
لقد ساهمت عوامل عديدة في قيام حراك غير مسبوق في التاريخ الحديث للشارع السني، لعل أهمها العديد من الأخطاء التي ارتكبتها بعض أطياف المعارضة، تمثلت في رفع شعار إسقاط النظام بدل شعار إصلاح النظام الذي تم رفعه في بداية الأمر في دوار اللؤلؤة، أضف إلى ذلك عدم استجابة المعارضة لمبادرة ولي العهد وهذا في تقديري كان خطأً تاريخياً آخر ارتكبته المعارضة بحق الشعب البحريني، وفوق هذا وذاك عملية التحريض الطائفي الذي مارسته أطراف متطرفة عديدة من هذا الفريق أو ذاك كل ذلك ساهم في إحياء الشارع السني والذي كان مصاباً بمرض مزمن أقعده عن الفعل السياسي لأكثر من ثلاثة عقود.
وعلى رغم مرور ما يقارب من عام ونصف على «فزعة الفاتح» إلا أن الإسلام السياسي السني حتى الآن لا يملك أي هوية سياسية أو برنامجاً سياسياً أو وثيقة سياسية أو حتى إعلاناً سياسياً يمكننا من خلاله تحديد ماهية الإسلام السياسي السني وموقعه من الإعراب في العملية السياسية، كما إن الإسلام السياسي السني مازال يعمل من تحت عباءة منظومة الحكم ونادراً ما نرى اختلافاً بين ما تطرحه منظومة الحكم في البحرين والإسلام السياسي السني عن عملية الإصلاح السياسي! وهذا الوضع المترنح والمهزوز الذي يعيشه الإسلام السياسي السني منذ (فزعة الفاتح) وعدم قدرته حتى الآن على تحديد هويته السياسية يرجع إلى أسباب عديدة يمكن تلخيصها فيما يلي:
أولاً: إن الشارع السياسي السني في الأصل ليس مسيّساً كما هو الحال لدى الشارع السياسي الشيعي، وبالتالي فإن حراك الفاتح ليس حراكاً سياسياً أو حراكاً بمرجعية سياسية أو إنه تم في إطار حزبي بل إنه حراك شعبي ساهمت في قيامه عدة عوامل ذكرتها في الحلقة الأولى. وقد بات ذلك جليّاً عندما تحول تجمع الفاتح إلى جمعية سياسية حيث انفضّت عنه جموع كثيرة من الشارع السني.
ثانياً: لم يقدم الإسلام السياسي السني منذ «فزعة الفاتح» وحتى الآن ما يشفع له على الصعيد المعيشي للمواطن البحريني، ولم يأتِ بحلول تذكر من داخل البرلمان أو من خارجه بالنسبة لعلاج المستوى المتدني المعيشي للأسرة البحرينية، وحتى الزيادة في الرواتب التي فرح بها المواطنون واعتقد تجمع الوحدة الوطنية بأنها ضربة معلم تحسب له أفرغتها الحكومة من محتواها ويا فرحة ما تمت! أضف إلى ذلك عدم قيام الإسلام السياسي السني بأي فعل منتج وفعال بالنسبة للمشكلة الإسكانية. وفوق كل هذا وذاك لم يفعل أي شيء في ملف الفساد الإداري والمالي والاستيلاء غير الشرعي على أراضي الدولة ولم يحرك أي دعاوى قضائية بناءً على تقارير ديوان الرقابة الإدارية والمالية بالإضافة إلى ملفات أخرى ذات علاقة بواقع ومستقبل الإنسان البحريني واقتصر فعل الإسلام السياسي السني على التصريحات الإعلامية والزوبعات البرلمانية والتي عادة ما تنتهي في أحضان الحكومة.
ثالثاً: سياسة الإقصاء والتهميش الذي مارسته قيادات سياسية ودينية وازنة في تجمع الوحدة الوطنية، ليس فقط لكوادر المنبر الوطني الإسلامي (إخوان) وكوادر الأصالة (سلف) وإنما لشخصيات وطنية مستقلة وازنة ذنبها الوحيد أنها رفعت صوتها عالياً وجاهرت بمطالبة النظام السياسي بإحداث تغييرات ريديكالية في المنظومة السياسية برمّتها، وقد تسببت سياسة الإقصاء الممنهجة والتي بدأت قبل وأثناء انتخابات الهيئة المركزية والأمانة العامة في يوليو/ تموز 2011، ساهمت في بداية انفلات عقال تجمع الوحدة الوطنية، وكذلك بداية تشرذم (فزعة الفاتح).
رابعاً: التفتُّت والانشطار الذي أصاب جسم (فزعة الفاتح) حيث أصبحت كزجاج السيارة المتكسر، فهناك تجمع شباب الفاتح وشباب صحوة الفاتح وائتلاف شباب الفاتح والبقية تأتي.
خامساً: ما يشاع في الشارع السني عن المغانم والعطايا التي حصل عليها عدد من قيادات تجمع الوحدة الوطنية، حيث لمح لها بعض كتاب الأعمدة وأصبحت حديث المجالس والشارع وبالتالي أضعفت مصداقية وجدية الإسلام السياسي السني، وعلى رغم أنه لم تقدم أدلة مادية على ذلك إلا أنه كما يقال لا يوجد دخان بدون نار!
سادساً: الخلافات والمناكفات التي ظهرت للعلن بين قيادات الإسلام السياسي السني على توزيع المناصب والمغانم جعلت أهل الفاتح في حيرة من أمرهم وهم يرون قادتهم في خلافات وسباق بين بعضهم البعض ليس على تحقيق مطالب الشعب وتذليل مشاكله المعيشية بل مع الأسف الشديد على المناصب والمغانم، وأخذ يطرح أهل الفاتح تساؤلاً جدياً وهو أين موقع أهل الفاتح من هذه الصراعات الشخصية بين قيادات (فزعة الفاتح) حيث أدت هذه الخلافات وما صاحبها من إشاعات إلى شعور أهل الفاتح باليأس وفقدان الأمل في القيادات الحالية للإسلام السياسي السني.
سابعاً: ولعل من أهم الأسباب التي تجعل الإسلام السياسي السني يترنح وغير قادر على التماسك وتحديد هويته السياسية والتمتع بالاستقلالية هو دخول أطراف نافذة في منظومة الحكم «المطبخ السياسي» لاعباً أساسيّاً في تحديد سقف تحرك الإسلام السياسي السني، وترى تلك الأطراف بأن فزعة الفاتح هي حراك وقتي انتهى مفعوله ويجب على الجميع أن يعودوا إلى بيوتهم، «فالمطبخ السياسي» لا يريد لفزعة الفاتح أن تتحول إلى تجمع أو تكتل سياسي يطرح برنامجاً سياسياً أو يتخذ مواقف سياسية وحقوقية لا تسير في فلك ما يريده «المطبخ السياسي».
إن قيادات الإسلام السياسي السني في البحرين (فزعة الفاتح)، وبعد التحليل والتشخيص الذي قدمنا، مطالبة أن تقول للعالم بشكل عام والمواطنين الأوفياء الشرفاء، الذين هم روح (فزعة الفاتح) بشكل خاص والذين لولاهم لم يحصل هؤلاء القادة على هذا الحضور والحظوة والأضواء وغيرها... ماذا بعد فزعة الفاتح؟ إلى أين يتجهون؟ ما هي هويتهم السياسية؟ ولماذا لا يضعون مسافة تفصلهم عن منظومة الحكم؟ أين برنامجهم السياسي؟
إن قيادة الإسلام السياسي السني في البحرين مطالبه اليوم أكثر من أي وقت مضى وقبل أن يفوتها الفوت حيث لا ينفع الصوت، بأن تفتح حوارات جادة ومعمقة مع النظام السياسي من جهة ومع المعارضة من جهة أخرى وذلك من أجل تحقيق إصلاح حقيقي جذري وشامل للعملية السياسية في البحرين إصلاحاً يضع حلولاً ناجعة للوضع المعيشي الصعب السيئ للمواطن البحريني، إن على قيادات الإسلام السياسي السني في البحرين أن تتعظ وتقتدي بسياسات ومواقف الإسلام السياسي السني المتقدمة في مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية حيث شكل الإسلام السياسي السني في تلك الدول معارضة حقيقية لتلك الأنظمة ودفعت قيادات الإسلام السياسي السني في تلك البلدان أثماناً باهظة تمثلت في الاعتقال والتعذيب والنفي وذلك من أجل تحقيق العدالة والحرية والمساواة ومحاربة الفساد والمفسدين، فأين الإسلام السياسي السني في البحرين من ذلك؟!
إن الشارع السني بشكل خاص والمواطن البحريني بشكل عام يتطلع إلى أن يرى في القريب العاجل أن يكون (لفزعة الفاتح) هوية سياسية واستقلالية تامة عن منظومة الحكم تمكن الإسلام السياسي السني من تحقيق طموحات وتطلعات الشعب البحريني في الحرية والعدالة والمساواة ومن غير ذلك فلا أمل يرجى من وراء قيادات الإسلام السياسي السني... فمن يرفع الشراع!
إقرأ أيضا لـ "عيسى سيار"العدد 3561 - الأربعاء 06 يونيو 2012م الموافق 16 رجب 1433هـ
أخي الحبيب بوعبدالله، أخالفك في هذا الرأي فقط
أحيي فيك هذا الحرص على الوطن والمواطن البحريني سنياً كان أو شيعياً بلا تفرقة، و أشكرك على هذه المقالات الوطنية المخلصة كإخلاص كاتبها. أنا مواطن لا أتعاطى السياسة ولم أشترك في مسيرة او مظاهرة طوال حياتي. و لكن قلبي على وطني، و قد رأيت و سمعت ما جرى لبلادي ولأهلها. فقط لدي ملاحظة حول التحريض الطائفي الذي مارسه و نشره طرف واحد فقط و حشد له الشارع،و أحل بعض مشايخه دماء و أعراض و أموال الطرف الآخر، و قد شاهدنا تداعيات هذه الممارسات. أما الطرف الآخر فقد أخطأ في أمور كثيرة،لكنه ترفع عن الطائفية.تحياتي
"إن الدين عند الله الاسلام "
ليس بخفي أن الدين دين الله .. ولكم دينكم واليدين..
فالاسلام دين الله قد يعتبره البعض من المسلمات ,وآخرون يعتبرونه من البديهيات . كما أن السنة سنة الله واحدة " ولن تجد لسنة الله تبديلا".
فكيف يجتمج الاسلام والسياسة والسنة؟
أم أن هناك دين للدنيا وآخر للسياسة؟
الحق بين والباطل بين
من يملك البصر والبصيرة يدرك اين الحق فيتبعه ويدرك أين الباطل فيتجنبه
الوضع مختلف
أستاذ عيسى المقال رائع خصوصا في الفقرة الاخيرة .. فقط لماذا تريد الاسلام السياسي البحرين تتعظ من الدول التي ذكرتها هم هناك اذلوا الشعب و سرقوا خيراتة هنا عندنا في البحرين لم نصل الي ما وصلوا الية هذا لا ينفي عدم وجود فساد . ثانيا هناك طرق سلمية لاخذ مطالبك ( ان اخر العلاج الكي )
كلمة حق
شكرا لك على هذا المقال الرائع.. الذي كشفت به الوضع القائم الذي يعاني منه نصف المجتمع!
تحية
الأستاذ عيسى المحترم أشكرك على هذه المقالات وعلى وطنيتك وحبك لأهل بلدك وهو إن دل على شيء فإنما يدل على طيب معدنكم واصلكم
Thanks sir ,
Dear Mr.Isa,
I wish all seni brothers think like you do!I hope they read and understand each word you said!hopefully they will look with Two eyes this time!
God Bless you Mr.Isa.God Bless Bahrain.....
كفيت واوفيت..
والله يا استاذ عيسى ، لم تترك لخطيب إضافة و لا لأحدٍ عذرا .. كفيت وأوفيت ليس أهل السنة الكرام فقط من ينتظر من "فزعة الفاتح" ان يحدّدوا هويتهم و برنامجهم .. بل نحن ايضا نريد ان يثبت لنا رموز الفاتح انهم مسؤولون وأصحاب مبدأ ويريدون العزّة والكرامة للبحريني.. كل بحريني.. نريدهم ان يلتزموا بمقالة طالما ردّدوها "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا"! نريد منهم ان ينظروا للأمور بتجرّد و موضوعية لابمنظور عصبي ولا طائفي .. نريدهم إخوانا..
وفقك الله وجزاك خيرا