شكلت الأحداث المتتالية في المنطقة العربية ملامح ومنحى جديداً في كيفية التعاطي مع الشأن العربي سواءً من قبل المجتمع الدولي لما يحدث داخل مجتمعات هذه الدول وصولاً إلى طبيعة الحركات والانتفاضات الشعبية المستمرة، ما أضفى تحولاً ومساراً مختلفاً لكل بلد من البلدان التي تشهد حراكاً سياسياً يدعو إلى الإصلاح أو إلى التغيير الجذري.
ومن الملاحظ فإنه من بعد سقوط بعض الأنظمة في المنطقة العام 2011، ثمة أطراف وجماعات بدأت تبرز وتلعب دوراً في الساحة السياسية بعد أن كانت محرومةً وتم إقصاؤها عمداً من المشاركة السياسية، مثل الأحزاب الإسلامية في مصر وتونس التي سطع نجمها وخفت نجم القوى العلمانية، وبرزت معها المخاوف في فقدان بعض المكتسبات أو حلول بعض المتغيرات التي قد تؤثر في الداخل ونظرة الخارج له.
من هنا بدأت النظرة في مواجهة قوى جديدة تحمل ملامح دينية هو التحدي الذي يتعين على الغرب اليوم الرد على هذه التحولات في السلطة والانخراط مع اللاعبين السياسيين الجدد، لأن أدوات اللعبة السياسية قد تغيرت كما هو الزمن الذي تعايشه مجتمعات المنطقة، وما قد يكون له من تأثيرات إيجابية وسلبية على الصعيدين المحلي والدولي.
ويرى باحثون في المجال السياسي من مؤسسة كارنيغي للسلام أن «مطالبة الحركات الإسلامية بتبنّي أجندات آيديولوجية واسعة تؤيّد العلمانية وتشمل الالتزام الفلسفي بالقيم الأساسية مثل حقوق المرأة، مقاربة مخطئة. بدلاً من ذلك، ينبغي للأطراف الدولية الفاعلة أن تركّز على بعض القضايا المحدّدة جداً بوجه خاص، مثل المعايير الدولية لحقوق الإنسان، والحفاظ على العلاقات القائمة بموجب المعاهدات، ومبدأ التسويات السلمية للمنازعات الدولية. فمثل هذه الضغوط ستكون أكثر فاعلية إذا كانت منسّقة، ولذلك على جميع الأطراف أن تسعى إلى التصرّف بصورة منهجية».
هذا ما جاء ذكره في تحليل «النظام الناشئ في الشرق الأوسط» الذي نشرته كارنيغي في مايو/ أيار 2012 لبول سالم ومارينا أوتاوي وناثان براون، إذ أشاروا إلى ضرورة أن يوسّع المجتمع الدولي انخراطه على نحو يتجاوز عدداً قليلاً من نخبة الأطراف السياسية الفاعلة، وتركيز الجهود الدبلوماسية على بناء الجسور مع مجتمعات بأكملها. في نهاية المطاف، قد يكون هناك القليل مما يمكن للغرب القيام به لتقليل الشكوك المتبادلة القائمة بين القوى الإسلامية والعلمانية في هذه البلدان، لكن يجب أن يعمل لإشراك الإسلاميين والعلمانيين في جميع تعاملاته مع المنطقة العربية.
إن هذا النوع من التعاون سيكون بلا شك، أكثر فاعلية عندما يتعلّق الأمر بقضايا محدّدة مثل الاقتصاد، وخصوصاً أن المرحلة الانتقالية التي بدأت في الدول التي تغيرت أنظمتها السياسية لديها فترة زمنية ليست طويلة لتحدي ما قد يخفق فيه نظامها السياسي، بحيث يرتكز على الأهداف المراد تحقيقها، على أسس الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
ولذا فإن العديد من الحكومات الجديدة - بحسب كارنيغي - في جميع أنحاء العالم العربي لديها ولايات قصيرة لإحداث التغيير قبل أن يصوّت الناس مرّةً أخرى، ولذا يجب التركيز المباشر على أهداف قصيرة الأجل يمكن تنفيذها خلال دورة انتخابية واحدة. وسيكون خلق فرص عمل أولوية في المنطقة العربية، ويمكن أن يدعم المجتمع الدولي هذه العملية من خلال زيادة المساعدات المالية، وتوفير الخبرة الفنية، والمساعدة على إنشاء أطُر تنظيمية وقانونية من شأنها تعزيز مشاريع الأشغال العامة الشاملة، وبالتالي خلق فرص العمل التي تعد المطلب الأول والملحّ لدى أوساط شريحة كبيرة من الشباب في المجتمعات العربية.
وهذا لن يتحقق إلا من خلال التعاون بين جميع الأطراف المعنية، بدراسة ووضع ميزانية تساعد هذه الحكومات على تأسيس المعايير الصحيحة لخلق دولة ديمقراطية حقيقية في العالم العربي. وهو جانب مازال غائباً في العالم العربي بسبب دعم الأنظمة الاستبدادية تحت غطاء الليبرالية لصالح مصالح القوى الخارجية.
لذا فإنّ التركيز على الإصلاح الاقتصادي وقضايا أخرى ملموسة إلى جانب جمع الفصائل المعارضة جميعها، قد يساهم في بناء النظام السياسي الذي يطمح إليه المواطن العربي اليوم من الخليج إلى المحيط.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 3560 - الثلثاء 05 يونيو 2012م الموافق 15 رجب 1433هـ
كلام صحيح
ولاكن الحكومات لاتسمع