لا أتذكر متى تحديداً قرأت كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) للكاتب الأميركي ديل كارنيجي (ت 1955)، لكن الأكيد أنني مازلت أتذكر تأثير عباراته التي أشاعت في وعيي الصغير وأنا على مدارج الدراسة في المرحلة الثانوية أملاً ووعداً بحياة أفضل وغيّر من يومها نظرتي لذاتي، أتذكر أنني وفي ذلك العمر الغض كنت أتلقى هذه الأفكار الكبيرة وأجدها سهلة التحقق، ولا تستدعي كل هذا الإطناب والشرح لأنها في مستوى البديهيات، وما أن تقدم بي العمر حتى بدأت هذه الأفكار المجردة تكتسب صيغة معقدة مع تعقد المسئوليات التي تفرضها دورة الحياة في عمر الإنسان والمسئوليات التي تضعها على كاهله.
تهبك الحياة من روعتها بقدر ما تعطيها أنت من مثابرتك وجديتك، سمعت وأنا طفل صغير أحد رجال الدين يقول (العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك) وفهمت من وقتها معنى مسئولية الالتزام بأمر عظيم ووظيفة جليلة. في الحياة نحن بيادق شطرنج لا تحركها أصابع الزمن والظروف، بل تحركها إرادتنا الذاتية ومقدرتنا على اتخاذ القرارات الحازمة في الظروف الحرجة، فحياتنا ما هي إلا نتائج لخياراتنا وقراراتنا.
الفاشلون يتحدثون دائماً عن آلامهم والناجحون يتحدثون عن آمالهم، الفاشلون يتحدثون عن المشاكل والناجحون يبحثون عن الحلول. والطاقة السلبية التي يبثها الأشخاص الذين أدمنوا اليأس وتشربوا روح الهزيمة في من حولهم خطر يجب أن يُقاوم، ويتعين أن نستبدلها بطاقة إيجابية ننشرها بين الناس كسلوك وثقافة حبّاً للوطن وللإنسان.
يقول الطغرائي: أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
المحبطون مليئون بالثقوب السوداء التي تخترقها الأحزان والإحباطات والمشاعر العدمية، هم كجبنة سويسرية مليئة بالثقوب. بينما من يسكنهم الأمل والتفاؤل هم كأشبال متوثبة ترنو إلى صيد ثمين، وهم على طول الدرب قنّاصو فرص.
يذكر أحد القادة العرب وهو الشيخ محمد بن راشد مكتوم حاكم دبي في كتابه (رؤيتي... التحديات في سباق التميز) قصة الأسد والغزالة كمدخل للحديث عن التنمية الشاملة فيقول: مع إطلالة كل صباح في إفريقيا يستيقظ الغزال مدركاً أن عليه أن يسابق أسرع الأسود عدواً وإلا كان مصيره الهلاك. ومع إطلالة كل صباح في إفريقيا يستيقظ الأسد مدركاً أن عليه أن يعدو أسرع من أبطأ غزال وإلا أهلكه الجوع. لا يهم إن كنت أسداً أو غزالاً، فمع إشراقة كل صباح يتعين عليك أن تعدو أسرع من غيرك حتى تحقق النجاح.
الحياة قائمة على التحدي والتنافس، ولا يحفل الناس غالباً بالكلمات بل تحتفي المجتمعات بالإنجازات، فالكلمات رخيصة جداً... دع أفعالك هي التي تتحدث عنك. فنموذج الإنسان الثرثار يحتقره الآخرون ويكون في الغالب محل سخرية وأحياناً شفقة الغير.
الإحباط والسلبية ثقافة ونمط عيش أكثر منه حالة شعورية، أستغرب عندما أشاهد الأجانب كيف يقاومون شيخوخة العمر بأنشطة شبابية ويستمتعون بكل لحظة من لحظات حياتهم، فيما يستسلم من بلغ منا الخمسين من العمر إلى حياة رتيبة وواهنة بانتظار الموت!
وأن تكون على عتبة الخمسين من العمر وتستلم إلى «الموت» الاختياري، وتلجأ إلى عزلتك في الحياة في انتظار أن يسوّي «عزرائيل» حساباته معك قد يبدو أمراً معقولاً في بيئة مثقلة بالهموم والنكبات كمجتمعاتنا؛ ولكن أن يلجأ إلى ذلك شباب في عمر الورد والزهور فهذا هو الانتحار والتدمير الذاتي بعينه.
ثمة صنف من الناس يختار الموت وهو في ذروة العمر وشرخ الشباب، سن العطاء وأوان النجاحات والفرص والعمر العريضة، والعجب أن يلجأ هذا الصنف إلى هذا الادبار البغيض عن الحياة بكل تحدياتها وفرصها تحت مسميات الواقعية والظروف الصعبة والتحديات التي لا يقوى على مواجهتها أحد، وهذه ثقافة خطيرة تحرضّ على التواكل والسلبية.
في عالم الأديب المصري المعروف نجيب محفوظ شخصيات من لحم ودم، انتزعها محفوظ من الواقع، ومقدرته الفائقة هذه استحق بها عن جدارة جائزة نوبل جالبة له معها شهرة عالمية، ومن بين شخصيات محفوظ هي شخصية محجوب عبدالدايم الذي لا يرضيه شيء ولا يعجبه أحد.
محجوب عبدالدايم الممتعض دائماً، الكاره لنفسه ولمن حوله، كل قضية عنده لا تعني شيئاً، وكل نجاح يستحق ازدراء وكل كفاءة لا أعتراف بها، وكل عاطفة شعور سخيف، وكل شيء يقابله محجوب عبدالدايم برد فعل لا يتغير: «طز».
ورغم أن نجيب محفوظ تجنب الألفاظ النابية لكنه لم يجد اختصاراً لمحجوب عبدالدايم سوى هذا التعبير السوقي. يظن الفاشل الذي يزدري الجميع أنه يتمتع بإعجاب الآخرين، ويعتقد أن غروره إنجاز في سيرة فاشلة.
الشعور باليأس والحديث فيه عن اعتناق خيار سهل، لأنه انسحاب وتعطيل لدور الإرادة في تحمل مسئوليتها في الحياة، بينما التفاؤل والتمسك بالأمل هو في واقع الأمر «فعل مقاومة» في خضم تحديات الحياة واعتراف بالمسئولية والمقدرة على تحدي كل الصعاب وتخطيها من أجل مستقبل أفضل.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 3559 - الإثنين 04 يونيو 2012م الموافق 14 رجب 1433هـ
أمل وتفاؤل
نحن نحتاج الى الامل والتفاؤل في حياتنا لكي نستمر.. كلام جميل ومؤثر في نفس الجميع ليس فقط في نفوس الصغار وانما الكبار بحاجةله اكثر .. انشالله اكون ايجابية.. سلمت اناملك يا ملك الصحافة .. وننتظر المزيد والجديد من ابداعاتك.
مقالة في وقتها
شكرا عزيزي على ما كتبت، ما زادني مقالك الا تفائلا ونشاطا وابعد هما وتعبا، مثل هذه المقالات لابد ان توجد في مجتمعنا بشكل يومي نظرا لما يمر به من تياراة اجتماعية وسياسية لها اثار سلبية في نفوس المجتمع تؤدي الى حالة من اليأس وعدم الاكتراث للوجدان
شكراً
يارب اكون ايجابية
يارب ساعدني ان اكون ايجابية رغم كل مايدور حولي من مؤامرات قذرة وادفع عنا كيد الحاسدين، اللهم آمين